|
دراسات سياسية عن العديد من التساؤلات التي طرحتها الظروف الراهنة, فأمام الإصرار المحلي والخارجي على ربط مستقبل المنطقة بنتائج تحقيق لجنة ميليس تصبح دراسة شخصية الأخير ضرورية لاستكشاف التوجهات المستقبلية لمسيرة المنطقة السياسية ولخارطة النفوذ وتقاسم هذا النفوذ فيها, وقد اعتمد د.محمد أحمد النابلسي رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية على مبادئ السيكولوجيا السياسية في محاولة لتقديم فهم سيكولوجي للظروف التي أنتجت أجواء ميليس ولجنته وتركزت مقاربة د.النابلسي على النقاط التالية: التحليل النفسي لشخصية ميليس وأكد أن خصوصية الدراسة السياسية التحليلية للشخصية تستخدم مزيجاً من المعطيات التي توفرها المدارس النفسية المعروفة مجتمعة, ولدى قراءة شخصية ميليس وفق هذه المنهجية في التحليل النفسي السياسي تبين معطيات عدة منها علائم الاستعراض الهستيري حيث يبدو ميليس في حالة نشوة حقيقية خلال مؤتمراته الصحفية, لدرجة أنه يعقد بعضها دون أسباب داعية, إضافة إلى ميول الإغواء السلطوي, فميليس يفتح الأبواب أمام علاقات واسعة مع السياسيين اللبنانيين من مختلف الأطراف وفي ذلك مضيعة للوقت الذي طالب ميليس مراراً بتمديده.. كما نلاحظ عدم ثبات المرجعيات لديه وهو ما تثبته مراجعة ملف ميليس وسلوكه في القضايا السابقة,وفيه اللجوء إلى صفقات لا تراعي تقاليد طبيعة التحقيقات عبر احتوائها على عناصر المؤامرة, اللافت أن اتجاه المؤامرات يميل دوماً نحو المصالح الأميركية مع الاضطرار إلى لي عنق الحقيقة لتطويعها إلى أداة ضغط في يد السياسة الخارجية الأميركية التي تساوم لتحقيق صفقة ما على حساب التحقيقات. واعتمد ميليس مبدأ توظيف الشائعات, فقد اتخذت شائعاته أشكالاً مختلفة ومعروفة جيداً في ميدان سيكولوجيا الشائعات كأسلوب التسريب الشخصي الحميم للإعلاميين ومن ثم التملص من التسريبات وأسلوب التضييع المخابراتي للشائعة, والتسريبات المعلوماتية للصحافيين المحليين وإيقاظ الشائعات الغاطسة والشائعات المعلبة وهذه الأخيرة توجه مسبقاً إلى عدو افتراضي مختار هو سورية في هذه الحالة.. وفي علم نفس الشكل نلاحظ أن هذا الشخص غير موثوق لدى تحليل صورة واحدة له.. وبذلك نجد أن تحقيقاته لا تخرج عن كونها حلقة جديدة من مسلسل الانقلابات الأميركية المخملية في لبنان والمنطقة التي تهدف إلى تحقيق التغييرات المبرمجة أميركياً عن طريق ممارسة الضغوط السياسية مرفقة بالتهديد باستخدام القوة وهي التهديدات التي نراها يومياً في الإعلام. (قراءة التقرير واستقصاءات الفهم) هو عنوان مداخلة أ.سليم عبود رئيس تحرير جريدة الوحدة التي استهلها بقول باتريك سيل (كانت سورية وما زالت تشكل مشكلة كبرى لأميركا), ويشير إلى أن ادعاءات أميركا اليوم لا تختلف عن ادعاءاتها طوال عقود وما يجري اليوم يذكرنا بخمسينيات القرن الماضي, الاتهامات والتهديدات نفسها والعقلية التي تدار السياسة الأميركية بها هي نفسها أيضاً, تقرير ميليس ليس الأزمة ولا يمكن أن يكون اغتيال الحريري بدايتها, فالأزمة بدأت منذ رفع السوريون علم الاستقلال لأن السوريين كانوا دائماً في مواجهة للنهج الغربي الذي يستهدف المنطقة, والتقرير يفتح نافذة تمكن أميركا وإسرائيل من تمرير اتهاماتها وهذه النافذة التي قدمها ميليس لم تتمكن أميركا من إيجادها في تقرير بليكس بشأن العراق, فالتقرير يدفع القارئ إلى تأمل واقع الأمة وما يحدث من تغييرات جذرية في هندسة المفاهيم والقيم الوطنية والقومية والروابط والعلاقات التي باتت تدفع الأمة نحو مستقبل غامض جداً تترك سورية وحيدة تواجه قدرها.. فما يجري يحدد عناصر المستقبل للأمة الذي ترسمه كل من أميركا وإسرائيل. فسورية تفهم متغيرات المرحلة وتفهم وضع الأنظمة العربية ويخطئ العرب جميعاً إذا فصلوا بين التهديدات الموجهة إلى دمشق وبين المشاريع التصفوية لوجود الأمة التي تتبناها أميركا وإسرائيل.. وفي الرد على التساؤل المطروح حول الجوانب القانونية التي يمكن أن تثار حول التقرير المقدم من المحقق ميليس إلى الأمين العام للأمم المتحدة أكد المحامي العام في اللاذقية أ.أحمد العبد الله قائلاً: ينطلق التقرير من قرينة ثابتة بذهن المحقق أو مفروضة عليه لتخيل أدلة تدين سورية وإهمال كل الاحتمالات أو الفرضيات الأخرى عن عمد أو من دونه, وهذا يشكل خروجاً عن حياد المحقق وإخلالاً بواجبه, باستقصاء الأدلة بشكل موضوعي, ولم ينظر إلا من زاوية واحدة ولم يوضح سبب عدم استجواب جهات مخابراتية أخرى تعمل في لبنان, كان على المحقق البحث والتحري عن كيفية وقوع الجريمة والأداة والبحث عن الجاني من خلال المصلحة المفترضة ولا يستثني حتى المقربين لينتهي بعد ذلك إلى حصر الشبهة وتقديم الأدلة التي ساقته إلى هذا الرأي, ويتبين للمطلع على التقرير أن المحقق لم يحقق إلا باتجاه واحد, لينتقل فيما بعد إلى إخفاء اسم الشاهد عندما يكون ضد سورية ويأخذ بأقواله على أنها صادقة ويغفل الشهادات التي تنفي ضلوع سورية بالجريمة ويمر عليها بصورة عارضة. أما ما ورد في التقرير حول ظروف تحقيقاته الجارية في سورية من أن تعاون السلطات السورية كان غير مقبول, وهذا عرقل سير التحقيق.. فكلمة عدم تعاون سورية بقيت غائمة, فميليس لم يذكر أوجه عدم التعاون إلا ما اتصل بها بعدم الموافقة على تحري منازل أشخاص محددين, وقد نسي المحقق أن تفويضه بالتحقيق كان مع السلطات اللبنانية ووزارة العدل اللبنانية وليس السورية, وأن مثل هذا البروتوكول الموقع مع لبنان لا يخوله القيام بنفس الإجراءات في سورية وعلى أراضيها.. كما أعطى ميليس اهتماماً كبيراً لموضوع الاتصالات الهاتفية, وبنى على أرض من ملح بناءه متناسياً ما يمكن فعله في هذا المجال من تحوير وتسجيل وتزييف ومعتبراً أن أحداً يمكن أن يصدق أن مرتكبي جريمة من هذا النوع يمكن أن يفشوا سرها ويتداولوا بشأنها مع بعضهم البعض بالهاتف وبهذا المستوى من السذاجة. وأخيراً يمكن القول إن ميليس ارتكب جملة مغالطات قانونية يحق معها أن يبعد عن ساحة القضاء وذلك ببعده عن الحياد وببنائه التقرير على الشبهة والظن والافتراض والاحتمال في مثل هذه الجريمة الكبيرة وبهدره شهادات شهود واعتماده على شهادات آخرين دون التعليل.. |
|