|
قضايا الثورة بعد كل ما أهدرته من دم وتسببت به من قتل لعشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي, وإحراق وتدمير لمؤسساته ونهب لتراثه وثرواته,وما جدوى الاعتراف الذي ساقه وزير الخارجية الأسبق كولين باول من قبل, ثم نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بعدما يزيد على الثلاث سنوات والقول: إن المعلومات الاستخبارية كانت غير صحيحة عن امتلاك هذا البلد لأسلحة الدمار الشامل, إن كانت كارثة الحرب لاتزال قائمة, ويصر بوش ووزير دفاعه رامسفيلد وحتى تشيني على المضي فيها إلى ما لا نهاية, وعدم تقديم أي تنازلات لمعارضيها من دون أدنى حس بالمسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية, وبعقلية تستعذب اغتيال البشر والرقص على أشلاء الطفولة البريئة, بحثاً عن انتصارات وهمية كاذبة ترضي نزعة الصقور اللاهثين وراء إرضاء إسرائيل وإسداء الخدمات المجانية لها. إذا كان الشعب الأمريكي بأغلبيته الرافضة المتجاوزة لنسبة الخمسة والستين بالمائة, لم يستطع أن يسحب البساط من تحت أقدام من أولاهم ثقته ففرطوا بها وأساؤوا إليها, وإقناعهم بالعدول عن السياسات المغامرة والمتهورة وإيقاف الحرب, ووضع جدول زمني للانسحاب من الأراضي العراقية, ولم يتمكن بالضغوط المختلفة التي مارسها ويمارسها في الشارع والمؤسسات إلى جانب العالم, رفضاً للحرب ولسياسات الإدارة الحالية واستباحتها العدوانية للمنطقة, التأثير على مركز القرار وحمل بوش بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة, على وقف النزف المادي والبشري والعسكري وتأمين مخرج مشرف ينتشل الولايات المتحدة من المستنقع العراقي, فما الذي بمقدوره لجم الاندفاعة الجنونية للمحافظين الجدد, وجعلهم يكفون عن خوض حروب إسرائيل بالوكالة, وتدفيع المنطقة وأهلها والشعب الأمريكي الأثمان.?! قد يقول قائل: إن مضمون تصريحات وزيرة الخارجية كونداليزا رايس قبل أيام, من أن الفرص باتت مهيأة على حد تعبيرها لانسحاب تدريجي من العراق العام القادم هو الحل وليس كل الحل وهذا صحيح.. لكن الاعتقاد والتخوف يذهبان في الاتجاه الآخر الذي يرجح بأنها مجرد مناورة ودبلوماسية ظرفية, لم تملها سياسة التعقل والتجاوب مع مطلب الشارع الأمريكي والرأي العام العالمي, وإنما فرضتها اعتبارات كثيرة منها ما يتعلق بمحاولات تحسين صورة إدارة بوش المهزوزة ومواقع الحزب الجمهوري الانتخابية, وأخرى وهي الأهم وتتصل بالوضع الميداني الضاغط في مناطق العمليات, والخسائر المتصاعدة والموجعة التي أصابت هيبة أمريكا وعقيدتها العسكرية في الصميم. في أحسن الأحوال لا أحد ينتظر من إدارة بوش وطاقمها صحوة ضمير, ولو فعلوا وهو أمر مستبعد طالما ظلوا في مواقع المسؤولية, فلن يكون بمقدور ذلك التعويض وتضميد الجراحات وإعادة الحياة للآلاف المؤلفة من أبناء الشعب العراقي وغيره من الشعوب الأخرى, التي قضت وتقضي بنيران الحروب وجرائم التدخل وضحية سياسات أمريكية أقل ما يقال فيها: إنها متهورة وقمعية وأشد خطراً على مستقبل البشرية وتهديداً لها. رغم ذلك يبقى الرهان على الشعب الأمريكي المبتلي بهذه العقلية, والمعني بالدرجة الأولى مع الأسرة الدولية مجتمعة والقوى الحية المحبة للسلام, بإحداث الصدمة المطلوبة والعقلنة والتصويب لهذه السياسات المدمرة, ورفع الحصانة والحماية عن تجار الحروب والفوضى والحرائق, وإفهامهم قبل فوات الأوان أن أيديهم ليست مطلقة, وأن هناك خطوطاً حمراً غير مسموح أن تمس ويتم تجاوزها, حفاظاً على الأمن والاستقرار والسلام العالمي والذي يشكل منظومة متكاملة وكلاً لا يتجزأ, واحتراماً لإرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها ومستقبلها بنفسها ومن دون تدخل. |
|