|
شؤون سياسية يقول المراقبون إن مأزق أردوغان أنه هو نفسه الرجل الذي صعد بحزبه إلى السلطة بثقافتة المحافظة دون صدام مع تقاليد الدولة الأتاتوركية، ونجحت سياساته في دفع البلاد اقتصادياً إلى المركزين السادس على المستوى الأوروبي والـ17 على المستوى العالمي . لكن وجوده في السلطة بالحالة التي أصبح عليها يفوق طاقة تركيا على الاحتمال ويهدد أي أدوار قيادية مستقبلية لبلاده في معادلات المنطقة المتقلبة. فبعد وصول الإخوان إلى السلطة في كل من مصر وتونس وليبيا بضوء أخضر أميركي ، ساهم ذلك في دعم الدور التركي الإقليمي من خلال تسويق التجربة الديمقراطية الإسلامية للإسلاميين العرب . لكن غرق أنقرة في مستنقع الأزمة السورية شكل انتكاسة للمشروع التركي - الإقليمي - الدولي ، ووضع أردوغان أمام حسابات معقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، لقد أثبتت جميع استطلاعات الرأي المستقلة أن أكثر من 80٪ من الشعب التركي ضد سياسات أردوغان في سورية والمنطقة ، وخصوصاً بعدما اتخذت طابعاً مذهبياً وطائفياً . ولم يخطر ببال رئيس الحكومة التركية أن لكل دولة وحزب وجماعة رأيها وحساباتها الخاصة سياسياً كان أم عقائدياً، وهو مايمنع تحقيق الحلم التركي الأردوغاني العثماني، إذ لايعني ولاء 50 في المئة من الشعب التركي لحزب العدالة والتنمية أنهم جميعاً مع الطرح الإسلامي ، فهناك نسبة ممن صوتوا في الانتخابات للحزب ذي الجذور الإسلامية ، من ذوي الميول العلمانية اجتماعياً ، ولايرضون بالنمط الاجتماعي الذي يسعى أردوغان إلى فرضه عليهم ، رغم رضاهم عليه شخصياً بسبب نجاحاته الاقتصادية ، لقد جاءت أحداث تقسيم بانعكاساتها على جميع المدن التركية لتثبت فشل المشروع الأردوغاني و الذي أثبت المواطنون من خلال التظاهرات أنهم لن يقبلوه طالما أنه بات يهدد حرياتهم الفردية ونمط حياتهم اليومية . قبل سنتين فقط ، وفي عزّ« الربيع العربي» كان رجب طيب أردوغان يحظى بشعبية جارفة بين العرب، حيث أظهرت نتائج استطلاع قامت به «مؤسسة زعبي» أن شعبية رئيس الوزراء التركي تصل إلى 80 في المئة في المغرب ومالايقل عن 90 في المئة في السعودية ولبنان، لكن تلك النسب تضاءلت وتظهر الاستطلاعات الحديثة انحسار شعبية أردوغان وبلاده . ولم يعد العالم ينظر لتركيا على أنها مثال للديمقراطية التعددية والحقوق المدنية والتنمية الاقتصادية إثر الاستخدام غير المتوازن للأمن ضد المتظاهرين . أما منظمة « مراسلون بلا حدود» فتضع تركيا في المركز 154 من حيث حرية الصحافة مقارنة بالمركز 98 قبل أعوام . واضافة إلى ذلك تصل مرحلة الرفاه الاستهلاكي والطفرة الاقتصادية إلى جزئها الأخير، وهو مايترجمه « النسق متسارع البطء» في مؤشرات التنمية ، والذي بات عادة جديدة في البلاد ، مثلما تشير إلى ذلك أرقام صندوق النقد الدولي، بحيث يتعين عليها اتخاذ اصلاحات هيكلية عاجلة لاتبدو ممكنة على المدى المنظور. ورغم الوضع الجديد الذي تجد تركيا نفسها فيه، إلا أن موقعها الجغرافي وعضويتها في «الناتو» يعنيان أنه من غير الممكن تجاهلها في الشرق الأوسط، ولكن الحقيقة الجديدة تبدو بعيدة تماماً عن التفاؤل والآمال التي علقها العالم على تركيا خلال العقد السابق والتي كانت تؤشر على ميلاد قوة اقليمية وكونية . والسؤال اليوم : هل اتخذت الولايات المتحدة قراراً بطي صفحة أردوغان أو على الأقل قصقصة جوانحه حتى لايكون الرجل الأقوى في تركيا؟! في تقرير نشره « مركز السياسات غير الحزبية» الأميركي بقلم اثنين من السفراء الأميركيين السابقين في تركيا وهما مورتون ابراموفيتش واريك ايديلمان، يرى الكاتبان أنه لم يعد لتركيا قوة تأثير في أحداث الشرق الأوسط ولم يبق لها سوى المشكلات بعد انتهاء سياسة « صفر مشكلات» مع دول الجوار. وأضاف التقرير الأميركي: أرادت تركيا رحيل الرئيس السوري بشار الأسد وقفت ضد الحكومة العسكرية في مصر ، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل» وأغضبت ايران بسبب نشر منظومات «الباتريوت» وبسبب تقديمها الدعم للمعارضة السورية . ودخلت في شجار مع حكومة بغداد المركزية، وأثارت بدعمها المتطرف لجماعة « الإخوان المسلمين» في مصر سخط الدول الخليجية وابتعدت عن أوروبا بنظريات المؤامرة والاتهامات التي لاأساس لها من الصحة. وجاء في التقرير أن تركيا اتبعت في الشرق الأوسط ، لاسيما في سورية ومصر سياسات مذهبية من أجل تعزيز نفوذها. ويفتح هذا التقرير على كلام يتداول في دوائر متعددة عن رغبة أميركية في أن يغادر أردوغان موقعه في رئاسة الحكومة ليصبح رئيساً للجمهورية محدود الصلاحيات، وأن يتبوأ الرئيس الحالي عبد الله غول رئاسة الحكومة مايساعد على مواكبة المرحلة المقبلة من السياسة الأميركية في المنطقة ومايرسم من تسويات يصعب أن يكون أردوغان جزءاً منها كونه كان من أعمدة الصقور في المنطقة لاسيما في الأزمتين السورية والمصرية، وبالتالي لايمكن أن يكون جزءاً من الحل . |
|