تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أولمرت يراهن على أوراق محترقة

شؤون سياسية
الاربعاء 20/6/2007
د. جهاد طاهر بكفلوني

كيف ستكون جعبة ردة فعل نمر ورقي وجد نفسه ينزف دماً صديداً مزروعاً بالحقد على كل من حوله وماحوله?

! ستكون الجعبة كما يقول المنطق ملأى بالمفاجآت وهي على نوعين من العيار المتوسط والعيار الثقيل.‏

لكن المنطق يبدي أسفه الشديد معتذراً عن القيام بمهمة التوقع عندما يعرف أن هذا النمر الورقي الجريح هو رئيس وزراء الكيان الصهيوني (ايهود أولمرت), لأن المنطق يعرف مساحة الحقد المترامية الأطراف في نقي عظام هذا الطاغية الحاقد على كل ماهو عربي بل على بني الإنسان حيثما وجدوا.‏

ولم تكن درجة غليان حقد (أولمرت) محتاجة إلى مصدر حراري جديد, لكنه وجد الفرصة مناسبة للاستعانة بمثل هذا المصدر, عندما ألقى نفسه تحت شلال منهمر ينسكب فوقه ليغسله غسلاً بوابل الهزيمة والعار.‏

فتقرير لجنة (فينوغراد) اعتبر أداءه السيىء سبباً مباشراً لسقوط (الجيش الإسرائيلي ) في حمأة الهزيمة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان الشقيق صيف العام الماضي, وفي ذلك جزء من الحقيقة التي تتركب من عدة أجزاء تؤلف باجتماعها في منظومة كلية الحقيقة التي بدت واضحة معلنة أن الجيش (الهمام) تلقى على يد المقاومة الوطنية اللبنانية صفعة مدوية مرغت أنفه بالتراب, وطحنت خيلاءه واعتداده بنفسه طحناً.‏

والتفت (أولمرت) في غمرة انشغاله بتلقي سهام الهزيمة ليشم رائحة الغدر كما يعتقد, ولم يطل به الأمر ليعرف مصدرها, لأن وزيرة خارجيته (تسيبي ليفني) قالت رأيها فيه بكل صراحة, واعتبرت أن مكابرته المتمثلة بإصراره على البقاء على كرسي رئاسة الحكومة مكابرة ليس لها ما يبررها, ولو كان يملك الشجاعة الكافية لمواجهة نفسه لآثر الرحيل بصمت, دون أن يجد نفسه مضطراً إلى الرحيل مشيعاً بأجراس وطبول الفضيحة والخزي.‏

ولم يجد (أولمرت) أمام دعوة وزيرة خارجيته للكف عن التمسك بكرسي رئاسة الحكومة إلا توجيه الاتهام المباشر لها بالتخاذل في حشد التأييد الدولي له إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان, ولا يمكن في الواقع فهم الطريقة التي مارست (ليفني) من خلالها هذا التقصير!‏

هل كان مطلوباً منها مثلاً أن تجر الولايات المتحدة لتزج بقواتها في الجنوب اللبناني البطل وتسمي نفسها نائبة عن قوات (النخبة) الإسرائيلية في القضاء على المقاومة اللبنانية?!.‏

وإذا كان (أولمرت) قد خضع لسلطان هذه الفكرة الجهنمية ولو برهة قصيرة من الوقت فهذا يعني أنه مصاب بعمى كلي لاجزئي جعله عاجزاً تماماً عن رؤية الحقيقة التي تجلت واضحة متألقة.‏

ولابأس من تذكير هذا الحالم بالمصير الذي تلقاه القوات الأميركية التي انساقت وراء جنون اليمين المتطرف في الإدارة الأميركية, وغاصت في رمال العراق المتحركة, وهي تتمنى شروق شمس ذلك اليوم الذي تعود فيه من حيث أتت لأنها تعلم أن كل يوم يمر عليها في بلاد الرافدين هو أسوأ من اليوم الذي سبقه, فأعداد القتلى من القوات الغازية في حركة لولبية إلى الأعلى, والمقاومة العراقية تطور أساليب خططها الهجومية, وتكسب كل يوم أعداداً جديدة من أنصارها, بعدما تبين لأبناء الشعب العراقي أن الديمقراطية الأميركية المزعومة والجنات التي وعدت الشعب العراقي بها كانت ديمقراطية الموت وسرقة خيرات العراق وتدمير بنيته التحتية, والعودة به إلى عصور الانحطاط والتخلف, وإذكاء نار الفتنة الطائفية بين أبنائه الذين كانوا على الدوام مثالاً رائعاً للانسجام ضمن نسيج اجتماعي متماسك عصي على الاختراق.‏

وعلى أساس هذه الحقيقة نستطيع أن نفهم تخبط أركان إدارة (بوش) في اعتماد استراتيجية ناجعة للتعامل مع العراق, وكانت البدعة الأحدث التي جاء بها وزير الدفاع (روبرت غيتس) هي اعتماد استراتيجية البقاء لأمد طويل في العراق على غرار مافعلت (واشنطن) في كوريا الجنوبية, وكأن العراق سيفتح صدره للقوات الغازية مادامت راغبة في البقاء فيه وما طاب لها المكوث!. وربما أدرك (أولمرت) أنه قد حاد عن جادة الصواب عندما فكر على هذا النحو الجنوني فاستل من حقيبته ورقة محترقة منذ زمن بعيد هي ورقة استعراض عضلاته في إعطاء الضوء الأخضر لاستمرار مسلسل الاغتيالات التي بدأت وتستمر, هادفاً من ورائها إلى تصفية الشخصيات الوطنية الفلسطينية التي تدعو إلى مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب.‏

وحين كان مسلسل الاغتيالات يمر ببعض لحظات التوقف دون إرادة (أولمرت) كان يستعين ببديل آخر هو زج بعض أعضاء الحكومة الفلسطينية والمجلس التشريعي الفلسطيني في السجون, تعبيراً عن امتلاء صدره بالحقد على الشعب الفلسطيني الصامد الذي صوت (لحماس) صوته المجلجل في استمرار المقاومة الفلسطينية, والتشبث بالحقوق التاريخية في بناء الدولة المستقلة فوق التراب الوطني الفلسطيني.‏

وحين عجزت هذه الورقة عن تثبيت كرسيه المهتز, لجأ إلى إشهار ورقة المفاوضات مع سورية, وأطلق وزير دفاعه (عمير بيريتس) ليصرح أن الجبهة مع سورية مفتوحة على الاحتمالات كلها, فكأن الاثنين قررا أن يتبادلا استخدام لهجة الترغيب والترهيب, مع علمهما أن سورية ليست تلك الدولة التي تأبه للغة الوعيد, وهي التي أعلنت موقفها من عملية السلام ولم تحد عنه قيد أنملة منذ انطلاق هذه العملية في (مدريد).‏

ورئيس وزراء ا لكيان الصهيوني, ووزير حربه يعلمان أن موقف سورية من عملية السلام مبدئي ثابت وليس عرضة للاهتزار, وأن (إسرائيل) هي التي تتحمل ما أصاب عملية السلام من وقوف عند نقطة التجمد, والخضوع لحالة الشلل الكلي.‏

إن (أولمرت) يراهن على أوراق محترقة بدأ أثر دخانها بالظهور على أصابعه السوداء الملطخة بدماء أبناء شعبنا العربي في فلسطين ولبنان, ورهانه خاسر لامحالة, وما عليه إلا أن يعد أيامه السياسية التي تبقت له قبل أن يرحل مشيعاً بلعنة التاريخ والحاضر والمستقبل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية