تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إنما بعثت من أجل خراف العم سام الضالة..

كتب
الاربعاء 20/6/2007
د. منذر شباني

عن دار الرأي للنشر صدر كتاب (من نحن?) للمؤلف الأميركي الذائع الصيت صموئيل هنتنعتون,

وقام بترجمة هذا العمل إلى العربية السيد حسام الدين خضور, وجاء الكتاب في ثلاثمئة وسبعين صفحة توزعت موضوعاته على أربعة أقسام ضمن اثني عشر فصلاً.‏

تصدى القسم الأول الذي حمل عنوان (مسائل الهوية) لمناقشة أزمة الهوية والهويات القومية في فصليه الأول والثاني, في حين توقف المؤلف طويلاً في القسم الثاني عند المسائل المتعلقة بالهوية الأميركية كدور المستوطنين المؤسسين والميثاق الأميركي الذي جسد المبادىء الأساسية للأميركيين كالحرية والمساواة والديمقراطية والفردية والتي يبرزها المؤلف بمثابتها مزايا يختص بها الأميركيون دون غيرهم, أما عن الثقافة الأميركية(الانجلو-بروتستانتية) فيبرزها المؤلف كنواة للثقافة الأميركية كما يرى المؤلف أن الدين والعامل الديني كان ومازال وسيبقى العامل الأبرز في تعريف ا لأميركي لنفسه, وقد تحولت المسيحية إلى دين مدني في أميركا.‏

أما القسم الثالث: فهو قسم مخاوف هنتنغتون من العناصر والعوامل التي تهدد الهوية الأميركية وخصوصاً تلك التي تواجه الميثاق واللغة الانكليزية والثقافة الانغلو بروتستانتية ويبدو البروفيسور الأميركي مرعوباً من خطر المهاجرين القادمين إلى أميركا وخصوصاً المكسيك الذين يأتون إلى أميركا و معهم المرض المعدي (الهسبنة) أما الجاليات الموجودة في الولايات المتحدة فإنها تمثل خطراً عظيماً على أميركا, فهذه الأخيرة تصبح لعبة في أيدي تلك الجاليات ولاتعود قادرة على متابعة مصالحها الوطنية والقومية في الخارج, ويحاول المؤلف في القسم الرابع والأخير أن يبحث في آليات تجدد الهوية الأميركية بالتأكيد على قيم الثقافة الانجلوبروتستانتية والبحث عن عدو يوحد الأميركيين ولايجد عدواً أفضل من (الاسلام الجهادي) المدعوم من دول شريرة على حد زعمه.‏

تلك هي الأفكار الأساسية لكتاب من نحن? الذي يوجهه البرفيسور الأميركي إلى الشعب الأميركي الضال, وهوكتاب يكشف عن اضطراب عظيم لدى مؤلفه الذي يبحث عن خلال أحداث واحصائيات عن حقائق ملفقة, يريد أن يشتقها في الدين تارة والانتماء للوطن تارة رحو خصوصاً عندما تحدق بذلك الوطن اخطار من أعداء يتربصون بالثقافة الأميركية وتالياً بالوطن الأميركي.‏

يفتقد كتاب هنتنغتون إلى المصداقية العلمية, وهو لايعدو أن يكون عملاً عاطفياً مكتوب بلغة هوليودية, وفيه يتابع ا لسيد الأميركي ماكان بدأه في كتابه( صدام الحضارات) من أن التحدي الذي يعيشه العالم اليوم هو التحدي الثقافي وبالتالي فإن أزمة الهوية الأميركية هي أزمة ثقافية, وتتمثل هذه الأزمة بموقف الأميركيين أنفسهم من ثقافتهم الانجلو بروتستانتية ومدى تمسكهم بها, هذا داخلياً أما خارجياً فتتمثل تلك الأزمة بموقف الأغيار وكل من ليس أميركياً من تلك الثقافة أيضاً.‏

كتاب ( من نحن?) كتاب غير مقنع على الرغم من أنه يقدم نفسه باعتباره المنقذ من الضلال, فالشعب الأميركي لديه أزمة هوية بسبب انفلاته الثقافي, وليس بسبب عمليات العولمة الاقتصادية التي افقرت ذلك الشعب إلى درجة لم يعد يستطيع معها أن يعرف نفسه, أما المؤلف نفسه فهو إما أنه يعيش في انغولا ويفكر في الهوية الأميركية أو أنه نبي مرسل أرسلته العناية الإلهية وألقت به في أميركا التي لايعرف عنها شيئاً وعليه هداية شعبها الضال, فالمؤلف وعلى الرغم من أنه استاذ جامعي في أهم جامعة في العالم اليوم (هارفارد) وعلى الرغم من أنه يستشهد بالصحف والمجلات والمؤلفات والدراسات العلمية ليكشف عن أزمة الثقافة المحدقة بالهوية الأميركية فيبدو أنه لم يطلع أولايريد أن يطلع على الدراسات الأميركية التي تتناول الوضع الاقتصادي للشعب الأميركي والذي يعاني من هوة عميقة بين الأثرياء والفقراء, فالسيد هنتنغتون لم يطلع على الدراسة التي اعدها الباحث ( ادوارد وولف) استاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك حول انعدام المساواة في الثروة في الولايات المتحدة, والتي أبرز فيها أن واحداً بالمئة من الأميركيين يمتلكون 48% من اجمالي الثروات, وأن ثروة يملكها سكان مدينة أميركية يقطنها ربع مليون أميركي يكاد لايوازي موجودات بيل غيتس الغني عن التعريف تماماً كما أن هنتنغتون غني عن التعريف.‏

أما وأن السيد الأميركي في كتابه يكاد يقسم بالله أن العرقية والاثنية قد اختفت تماماً من أميركا ولم تعد تهدد الهوية الأميركية, فإننا لانعرف أين سنذهب بالأرقام الصادرة عام ,1989 والتي تظهر أن ثلث السكان غير البيض هم إما على مستوى أو تحت خط الفقر, هذا عدا عن أن شريحة من البيض توازي 12% ليست أفضل حالاً من هؤلاء.‏

وإذا كان السيد هنتنغتون لايشاهد ماتبثه المحطات الأميركية فلأنه هو لايريد أن يشاهد أو يرى وليس هناك عمى أخطر من عمى هؤلاء الذين لا يريدون أن يروا, ففي الوقت الذي حاول فيه المؤلف أن يقنع الأميركيين إنهم شعب عامل بالفطرة, فإنه يتعامى عما بثته محطة أميركية هي NBC عام 1997 حول وجود 150 ألف عضو في عصابات مسلحة وهذا في لوس انجلوس وحدها ومعظمهم من المراهقين, ونلاحظ أن هذه الاحصائيات تعود إلى سنوات ماضية فالحال اليوم هو أسوأ بكثير.‏

وعندما يتحدث البروفيسور عن الجاليات الموجودة في أميركا وعن تلاعبها بالسياسة الأميركية وتعطيلها لها عن ملاحقة مصالحها خارج أميركا, فإننا نشعر بالأسى لحال السياسة الأميركية أماخوفه من الهسبنة القادمة مع المكسيكيين فله مايبرره فالمكسيكيون قادمون لتدمير أميركا ليمتصوا اقتصادها واستخدامها لتقوية مصالح بلدهم الأم ( المكسيك)) ومرة أخرى لم يسمع المؤلف عما فعله المضاربون الأميركيون بالمكسيك عام 1995 عندما ضاربوا على عملتها وجعلوها في الحضيض الأمر الذي جعل رئيس المكسيك آنذاك يقول: مسكينة المكسيك لبعدها عن الله وقربها من الولايات المتحدة.‏

أمر واحد يجب أن نعترف به للمؤلف وهو أن الحرب كانت دائماً ضرورية لجعل الأميركيين يلتفون حول علمهم وبالتالي هويتهم, وهو يجاهر بذلك علانية, بل يطالب القادة الأميركيين بضرورة البحث عن الاعداء وفي حال لم يجدوهم فإن عليهم اختراعهم إذ بدون العدواة لايبقى ولامعنى لماهو أميركي وقد تنفست أميركا الصعداء بعد هجمات الحادي عشر من أيلول.‏

هنتنغتون يحاول في كتابه أن يقنع الاقتصادي بالثقافي, ويحمل الأميركيين وغيرهم على أن يشعروا بأن جذر مشكلاتهم ثقافي وليس اقتصادياً كتاب من نحن كتاب البحث عن الاعداء وعن دورهم الحيوي في جعل أميركا كذلك, وهو يحاول أن يقنع الأميركيين أن يتحملوا تبعات الحروب التي يخوضها قادتهم(الرأسماليون) مالياً ومعنوياً وروحياً, وأن يذهبوا إلى الكنيسة فيما يذهب قادتهم إلى منابع النفط والثروة أما اختراعه الأعداء الثقافيين كالاسلام وغيره فهوأمر يساعد على ردم الهوة بين الأثرياء ومنهم المؤلف نفسه والفقراء, بالرغم من كل أضاليله يدرك المؤلف أن مايهدد الهوية الأميركية هي الرأسمالية الانجلو اميركية وليست الثقافة الانجلوبروتستانتية المغدورة برأيه.‏

تبقى ملاحظة أخيرة تتعلق بالمترجم السيد حسام خضور, لم يكن عمل هنتنغتون (صدام الحضارات) رائعاً, بل مضللاً أيضاً, وكان يجب أن تضع أرقام الصفحات للفهرس الذي وضعته بعد المقدمة التي كتبتها , كل تلك أخطاء يجب تلافيها.‏

***‏

> ملاحظة: الاحصائيات الواردة في العرض مأخوذة عن كتاب (نذر العولمة) لمؤلفه عبد الحي يحيى زلوم, الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت. س الذ‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية