تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحمامــات الدمشــقية ..إرث حضــاري

استراحة
الأحد 3-1-2010م
ميساء العلي

يذكر المؤرخون أنه بني في دمشق أكثر من 160 حماماً، لم يبق منها إلى اليوم إلا القليل، حيث تهدم العديد منها وتحول بعضها إلى مستودعات للتجار، فيما لايزال بعضها يستقبل المستحمين، ولكن بأعداد قليلة، وربما أعادت المسلسلات الدمشقية (الشامية) ورونق تلك الحمامات.

ولقد امتازت الحمامات الدمشقية بطرازها المعماري، وزخرفتها الخاصة ونقوشها المميزة ونظام توزيع الماء فيها بين البارد والحار وقف قواعد هندسية غاية في الدقة والإتقان، فضلاًَ عن أرضيتها الرخامية، وجدرانها المزينة بالجص المزخرف الموشى بالرسوم والتزيينات على الأطراف والسقف المكون من قباب لها فتحات مغطاة بقطع زجاجية ملونة.‏

ويتألف الحمام من ثلاثة أقسام تتباين الحرارة بينها، حيث تزداد من قسم لآخر فالأول هو البراني، ويضم المشالح والبهو وتزينه بحرة في الوسط، وهو القسم المخصص لاستقبال الزبائن، والاستراحة بعد الحمام، حيث تلاصق المصاطب الحجرية الجدران، ليجلس عليها الزبائن بعد انتهائهم من الاستحمام ويشربون الشاي مع النرجيلة، وهم ملتحفون بالمناشف على أجسادهم وهي عادة تشعر الزبائن بالحميمية، والدفء خاصة في فصل الشتاء.‏

وهناك الوسطاني وهو أعلى حرارة من البراني ويستريح فيه الزبون للتخفيف من أثر التغيير في درجة الحرارة والاستعداد للانتقال إلى القسم الثالث، وهو الجواني الذي يتميز بدرجة حرارته المرتفعة ويضم المقصورات الدافئة، الأجران الخاصة بالمياه الساخنة التي تتدفق من صنابير نحاسية قديمة وفي هذا القسم تمت إضافة الساونا والتدليك ليستمتع الزبون بحمام صحي.‏

وفي الجواني تنتشر الأجران الحجرية والطاسات النحاسية في جو بخاري غائم، فيما ترسل أشعة الشمس دفئها من خلال فتحات القباب المغطاة بالزجاج المقفى والملون فيما تفوح رائحة صابون الغار الحلبي في أرجاء ردهات الحمام وأهم العاملين في الجواني المصوبن المتخصص بفرك الجسم بكيس الحمام الحلبي السميك الخشن، وتستمد غرف الجواني المياه الباردة والساخنة من حوض ماء حجري، والتي تجري عبر أنابيب قرميدية داخل جدران الحمام ليعم الدفء كل الأرجاء، فتصل المياه الحارة إلى الأجران للاستحمام، كذلك توجد عند بيت النار مصطبة تتصل بكوة تؤدي إلى مكان تسخين المياه وتحت ممر بيت النار والمبلط بالحجر الأسود والوردي وعلى بلاط هذا الممر على مصطبة بيت النار يجلس المستحمون المصابون بوعكات صحية ناجمة عن البرد بهدف الاستطباب، وبعد الاغتسال يعود الزبائن إلى الوسطاني.‏

ومن أهم الحمامات الدمشقية التي مازالت حتى اليوم قائمة حمام نور الدين الشهيد في سوق البزورية، والذي يعود بناؤه لعام 545 هجري، وحمام الأرماني بالقرب من ساحة المرجة وعمره حوالي 800 سنة، وحمام الملك الظاهر الملاصق للمكتبة الظاهرية والحمام الجديد في باب سريجة وحمامات عديدة مازالت تعمل في باب توما وسوق ساروجة والميدان وغيرها من حارات دمشق القديمة، ويرتادها عدد من السياح وأبناء البلد.‏

وقد ارتبطت عادات وطقوس الحمامات منذ القدم بمناسبات محددة مثل حفلات الطهور وحمام العريس الذي يتميز بطقوس خاصة محببة لأهالي الشام، بالإضافة إلى حمام بعد الزواج بأسبوعين ويكون بدعوة من أم العريس ويسمى الضمرة وكذلك حمام الفسخ للنفاس ويكون بين اليوم السابع والحادي والعشرين بعد الولادة وكذلك حمام الأربعين وهو بعد أربعين يوماً من الولادة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية