تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الغطرسة الإسرائيلية الأميركية

شؤون سياسية
الاربعاء 20/6/2007
غالب حسن محمد

نشرت بعض الصحف الغربية مؤخراً خبراً مفاده أن الإدارة الأميركية تأذن لإسرائيل بإجراء مفاوضات مع سورية, وأن إسرائيل

تستطيع أن تبحث مستقبل هضبة الجولان السورية والحدود والتطبيع وغيرها من المسائل.‏

قبل أيام إن لم نقل قبل شهور, وهذا ما صرح به العديد من المسؤولين في الكيان الصهيوني, كان البيت الأبيض يضع -فيتو- واضحاً وصريحاً على أي اتصالات إسرائيلية سورية, ترى ماذا جرى? إنها وبلا شك الحقيقة والتي لابدلها في نهاية المطاف من الانعتاق والبروز والتحرر من أساطيل الكذب والخداع التي ترافقها وتحرمها كما كان يعبر عنها ونستون تشرشل بقوله: (الحقيقة أشبه بمدمرة محاطة بأسطول من الأكاذيب) إن الوقائع المادية على الأرض أعند بكثير من كل المنظومات الايديولوجية والخطب الإنشائية وفنون الحرب النفسية, هذا الترخيص الذي منحته الإدارة الأميركية لإسرائيل يؤكد قضيتين أساسيتين طالما أشكلتا على الرأي العام العربي وربما النخبة المثقفة من هذا الرأي العام سواء كانت من طاقم السلطات أم من خارجها.‏

القضية الأولى هي أن إسرائيل هذا الكيان الذي أنشئ بقرار القوى العظمى في حينه وعبر الأمم المتحدة, هو في حقيقة الأمر ليس سوى وكيل أعمال حصري لمصالح وأهداف القوى التي أسهمت في انشائه إذا إسرائيل وجدت لوظيفة تؤديها وعلاقتها بذلك مع القوى الدولية الغربية تماماً كعلاقة العامل برب العمل أو الوكيل بالشركة الأم وللأسف الشديد تجد يومياً من يطالب وبكل سذاجة إن لم نقل ببلاهة رب العمل الذي هو (أميركا في الوقت الحاضر) لكي يكون حيادياً أو وسيطاً نزيهاً بين الضحية والقاتل.‏

في المؤتمر الصهيوني الأول 1897 قال أبو الصهيونية تيودور هيرتزل من جملة ما قال: إنه بعد خمسين عاماً ستكون هناك دولة لليهود في فلسطين, ونشأ الكيان الصهيوني فعلاً بعد خمسين عاماً بقوة القرار والأمر الدولي الواقع الذي فرضته القوى الغربية الرئيسية والفاعلة واستطاع هذا الكيان أن يثبت لأولياء أمره أنه جدير بالمهمة التي أوكلت له عبر ما تحقق له في عدوان حزيران عام 1967 من احتلال مزيد من الأراضي العربية ومزيد من الهزيمة المعنوية للحكومات والأنظمة العربية لدرجة دفعت بالعديد من قادة الكيان الصهيوني وكما عبر عن ذلك أحد الرموز التاريخيين للحركة الصهيونية (مناحيم بيغن) حيث قال: نحن لا نطالب العرب بالاعتراف بنا فنحن موجودون ولكن على العرب أن يعترفوا بسيادتنا على دول المنطقة وقبل ذلك سبقه زميله في الإرهاب (موشي دايان) عندما أطلق على عدوان حزيران عبارته الشهيرة لقد كانت حرب الأيام الستة- ويك إند- الجيش الإسرائيلي).‏

إنه المرض القاتل الغرور احتقار الآخر لدرجة إلغائه الغرور الذي يعتبر تاريخياً بداية العد العكسي للمصابين به, وهنا تخطرني حادثة أو مقولة من المفيد استحضارها كان الجنرال (فرانكو) وهو الذي حكم اسبانيا بيد من حديد ولمدة أربعين عاماً وبينما هو على فراش الموت حيث مرت بقربه العديد من الوفود والمجموعات من الشعب الاسباني لتلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة وبينما هذه الحشود تمر بهدوء, سأل أحد المقربين منه والذي كان على يمينه ماذا يفعل هؤلاء الناس? أجابه إنهم يودعونك سيدي الجنرال, وهنا حشرج الطاغية وقال: إلى أين هم ذاهبون ليودعوني?).‏

هذا هو ما عبر عنه المؤرخ الانكليزي العبقري (أرنولد تونبي) حيث وفي معرض تعليقه على ما أشاعه القادة الصهاينة بعد عدوان حزيران من أن جيشهم لا يقهر.‏

وقد كان للمؤرخ العظيم رأي مخالف تماماً لهؤلاء حيث قال: (إن مأساة الجيش الصهيوني أنه جيش لا يقهر), لقد قهر الجيش الإسرائيلي ومرغت هامات قادته على يد المقاتل العربي الذي امتلك إرادة القتال وقرار المقاومة, والذي فضح الأسطورة الصهيونية وكشف حقيقة النمر الإسرائيلي الصهيوني بأنه نمر من كرتون, وعلى هذا نستذكر بواقعية ملموسة أن قوة إسرائيل التي لا تقهر هي بالأساس تكمن في الضعف العربي.‏

إن المراقب المتابع والراصد الدقيق لما جرى ويجري في الكيان الصهيوني وما تمخضت عنه حرب تموز في العام الماضي بتداعياتها التي عكستها تحقيقات لجنة فينوغراد وردود الفعل على مختلف الصعد الإسرائيلية من مواقع سلطوية وأكاديمية يصل إلى استنتاج جوهري مفاده أن باطن العقل الصهيوني يردد في السر, وما كان قاله الامبراطور نابليون بونابرت وهو في طريقه إلى روسيا عام 1812 عندما قال: (قد تكون هذه الحملة هي بداية نهاية انتصاراتنا).‏

القضية الجوهرية الثانية هي أن التاريخ والجغرافيا لا يعترفان بقوة مطلقة أبدية أو دائمة (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).‏

ومن افترض من الإخوة العرب أن قوة أميركا ومن معها بمثابة القدر المحتوم والذي تصعب مواجهته نقول لهم: مهلاً أعيدوا النظر قليلاً لقد كانت روما من العظمة والقوة أكبر بكثير من العم سام واستطاعت دولة صغيرة مثل (قرطاجة) أن تهدد روما العظيمة الجبارة, وكان مجرد ذكر اسم القائد القرطاجي (هنيبعل) كافياً لإثارة الرعب والهلع في قلوب الرومان,فالأمة التي أنجبت هنيبعل وبشار الأسد وحسن نصر الله أمة لا تعرف الخنوع والذل ولن تركع ولا يمكن أن تساوم على حق أو تتخاذل أمام محتل, ولنا ما يجري في العراق وفلسطين مثال حي على صحة ما ذهبنا إليه من أن:‏

أمة العرب لن تموت وإني أتحداك باسمها يا فناء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية