|
شباب ليس بالضرورة أن يتحول الإنسان إلى مبدع بالحفظ والتلقين وباسترجاع المعلومات الملقنة حين اللزوم فليس من المعقول أنه سيحفظ كل شيء في هذا العالم الذي لا تمر لحظة دون تدفق هائل للمعلومات, وإن اطلعت على إحداها أو بعضها فإن الكثير يفوتك دون رغبة منك.. ما أدهشني مؤخرا واستدعى هذا الأفكار إلى ذهني ما أشاهده على بعض شاشات التلفزة, محللون وفنانون وسياسيون يملكون اليقين ولا شيء يفوتهم كما يدعون, يفهمون في كل شيء, معلوماتهم جاهزة يمكن استحضار السياسة, الاقتصاد, الأدب, الجيولوجيا... حتى وإن سئلوا فيما لا يفهمون به فإنهم يجيبون اجابات عامة تضيع الموضوع حتى لا يبدون غير عارفين. ولعل أكثر الأمور المؤسفة هنا أن جيلا شابا كاملا يتربى على الادعاء والاستعراض إن أكثر ما يشجع على هذه الادعاءات هي بعض المناهج التعليمية وطريقة التعليم التي يتبعها بعض الأساتذة الذين هم أنفسهم قد يخجلون إن سألهم طالب عن شيء لا يعرفونه دون أن يأخذوا الأمر ببساطة, كما ان الذي يشجع على لعب هذا الدور بعض أساليب حياتنا وبعض مفاهيمنا التي تبدلت وأصبحت تأخذ بعين الاعتبار أولئك الفارغين ولكنهم يتمكنون بفضل ادعاءاتهم وبعض الاستعراضات التي يتقنوها من الوصول إلى أي مكان يرغبون والمشكلة حين لا يتم كشفهم سريعا ومعرفة أنهم خاوون كالطبل الأجوف الذي يقرع صوته عاليا لكثرة الخواء الذي فيه.. لذلك فليس مستغربا أن الكثير من طلابنا وشبابنا يميلون إلى المبالغة والإطناب والغرور والادعاء أنه يفهم في كل الأمور ولا يعجز عن أي اجابة بسبب غياب التركيز المنطقي على أن علم كل إنسان محدود ومعلومات كل إنساء مجزوءة, كل إنسان معلوماته مجزأة, ليس لديه كل المعلومات, فما المشكلة إن سئل عن معلوماته أن يقول إنه يعرف من هنا أو أن يقول هذه المسألة لا أعرفها, ولا أستطيع أن أبدي رأيا فيها لأنني قليل الاطلاع. الشاب هنا يعتقد أن الفهلوية تنقذه بينما ما يفعله يعطي انطباعا أنه يخوض بأمور لا يفهم بها, وهذا التفكير ينعكس على حياته اليومية.. التصرف الاعتيادي للشباب أنهم يريدون إخراج أنفسهم من جميع المآزق بالواسطة, في حين أن الأمور إذا كانت موضوعية مقنعة هي التي تطور حين يدرك المرء حقيقة إمكانياته وحقيقة ما يعرف وما لا يعرف بعيدا عن اعتقاده أن الكمال إنما بالادعاء خائفين ألا نبدو شبيهين بالديسك والفلاشة التي تتسع بكبسة زر لآلاف المعلومات, فهل نرضى بأن نتحول إلى مجرد مستودع تخزين!! |
|