تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الغــرب والإرهـــاب.. في البيــت وعلى الأبـــــواب

متابعات سياسية
الثلاثاء 21-6-2016
عبد الرحمن غنيم

ما يستطيع الغرب الاستعماري أن يراه بعينيه , وأن يتلمسه بيديه, يتمثل في الحقيقة القائلة بأن الإرهاب الإسلاموي - الوهابي منه وغير الوهابي , قد اخترق دول الغرب بالفعل , وبات قادراًعلى تحقيق اختراقات أوسع وارتكاب جرائم أفظع بعد أن تواجدت قواعده على أبواب أوروبا وعتباتها الخارجية والداخلية ,

بل وبعد أن بات ثابتاً أنه قد توطن فيها مثل توطنه في أميركا التي كانت تظن نفسها بمنآى عن مخاطره.‏

لم يعد مركز الإرهاب الأساسي متمثلاً في جبال تورا بورا أو وزيرستان , بعد أن بذل الغرب كل جهده لجلب هذا الإرهاب من كل مكان في العالم ليتوضع في الشرق الأوسط , ولاستهداف سورية بشكل خاص , وذلك من أجل عيون إسرائيل . فلقد بات ثابتاً الآن أن الإرهاب توطن في أوروبا وأميركا وأنه اتخذ من كوسوفو - وربما من غير كوسوفو أ يضاً - قواعده للتدريب ونقاطاً للانطلاق , وبعد أن كانت تركيا العضو في حلف الناتو معبر الإرهابيين الى سورية هي اليوم معبر للإرهابيين في اتجاهات أخرى بما في ذلك أوروبا .‏

إن كل تواطؤ أقدم عليه الغرب في سياق استثماره للإرهاب , وكل تساهل أبداه الغرب في تعامله مع الإرهاب على أمل أن يحصر هذا الإرهاب شرّه في استهداف العرب والمسلمين , يتضح الآن أنه ينقلب على حكام الغرب غمّاً وهمّاً , وها هم يرون ذلك يتحقق على أرض الواقع , وإن كان سلوكهم حتى الآن يدل على أنهم لم يتعظوا , وأنهم لا يريدون فهم حجم المشكلة التي صنعوها لأنفسهم .‏

حين تبنى الغرب الإرهابيين وشجع الأنظمة المصنّعة لهم والتي هي صنيعته أيضاً كان يضع في حسابه احتمالين: أولهما أن ينجح الإرهاب في نشر الفوضى في المنطقة بما يمهد السبيل أمام الكيان الصهيوني لتنفيذ بطشته الكبرى , أو أن يفشل الإرهابيون في إيصال المنطقة الى حالة الفوضى , وأن يهزموا وتتفكك خلاياهم . لعل حكام الغرب اعتقدوا أن مآل الإرهابيين في الحالتين هو أن تجري تصفيتهم بعيداً عن بلدان الغرب نفسه . لكن مثل هذا الاعتقاد يفتقر الى أبسط معطيات المنطق . فتجنيد الإرهابيين في الغرب , والذي تغض أجهزتهم الأمنية عنه الأنظار , وكأنه أمر لا يعنيهم لن يتم بالضرورة وفق سيناريو محدد لا استثناءات فيه , كأن يتم تجنيد خلايا محلية وتكليفها بمهام محلية , ثم إن الإرهابيين لن يكون ممكناً التحكم بأمزجتهم جميعاً , فمنهم من يقطع مهمته في الشرق مقرراً العودة الى الغرب , ومنهم من يجعل هذه العودة تتم بجوازات سفر مزورة , أو يلجأ الى أساليب التهريب . بل إن احتمالات التواطؤ بين بعضهم وبين المخابرات التركية المتعاونة مع الغرب هي احتمالات واردة أيضاً . وعلى العموم , تستطيع حكومات الغرب حتى الآن أن تلاحظ الواقع القائل بأن الإرهاب لم يعد يقف فقط على الأبواب , أو يتواجد عند الأعتاب , ولكنه بات موجوداً داخل البيت الغربي , وقد أخذ يوجه ضرباته للغرب بالفعل . وهذا يعني أن عملية التجنيد بغرض استهداف أوروبا صارت مسألة أساسية عند الجماعات الإرهابية .‏

لقد ذهب الأمريكي قبل أن تبدأ مباريات بطولة أندية أوروبا بكرة القدم الى تحذير رعاياه من خطر تعرضهم لضربات الإرهاب في أوروبا . لكن الضربة جاءت للأمريكي في فلوريدا , أي في أميركا نفسها . والواقع أنه لو كان الأمريكي يحسب حساب الخطر الإرهابي على رعاياه بشكل فعلي لوجب عليه أن يدرك بأن هذا الخطر يمكن أن يطال الأمريكيين في معظم أنحاء العالم , إن لم نقل في كل أنحاء العالم .‏

إن الهزائم التي يتعرض لها الإرهابيون الآن من شأنها أن تفاقم أعداد الإرهابيين العائدين الى الغرب فراراً , وأن تدفع آخرين الى البقاء في الغرب وحصر نشاطهم الإرهابي حيث يوجدون , ولا نظن أن بوسع الغرب حصر جميع الإرهابيين ومحاصرتهم والحيلولة دون قيامهم بشن الهجمات عليه . ولقد ثبت له عملياً أنهم قادرون على توجيه ضرباتهم له . ونظن أن في هجمات باريس وبروكسل وفلوريدا ما يكفي للدلالة على أن خطر الإرهاب بات ماثلاً في الغرب ولم يعد مجرد احتمال قابل للتطويق كما كانوا يتصورون . وإذا كان الغرب قد زج بقوات له – ولو رمزية – في منطقتنا بدعوى محاربة الإرهاب الداعشي , فإن سلوكه هذا في حد ذاته سيكون سبباً في استهداف الإرهابيين للغرب على سبيل النكاية . فالثابت عملياًأن الغرب وإن وظف الإرهاب لصالح المخطط الشيطاني الذي ينفذه لحساب الصهاينة إلا أنه لا يملك إمكانية التحكم الكلي بالمدخلات والمخرجات بالنسبة لتلك العصابات , وأنها يمكن أن تبيّت له العديد من المفاجآت .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية