|
الافتتــاحية والواضح أن سقف المؤتمرين الذي بدا في تونس مرتفعاً إلى حدّ الإفراط، تحكمه في استنبول متغيرات فرضت نفسها على الأرض، كما هي في المواقف، وقد ارتطم برؤوس الكثيرين، ممن بالغوا في تخيل ارتفاعه واستمروا في ملاحقة سراب الأوهام التي دحضتها الحقائق. وفيما يراهن الأميركيون والغرب على الدور التركي لإعادة ضبط إيقاع التوقعات وحتى المواقف، يعود الطرح السعودي المنتشي بالدرع الصاروخي الأميركي إلى المربع الأول في تأزيم الموقف، حين يجزم منفرداً بأن دعم الإرهابيين بالسلاح خياره الذي لن يتراجع عنه، مفصحاً من جديد عن هوسه بمزيد من سفك الدم السوري وشهيته لاستمرار القتل. يقابل هذا المشهد انحسار واضح لحالة التآلف مقابل تخمة في الخلافات المسكوت عنها داخل أجنحة المرتزقة الذين افترقوا عند أول منازلة سياسية بين أفرقاء الدرب، وبدا التشتت أوضح في سياق الخشية التي تراودهم من الاختلاف الذي طفا على السطح بين الداعمين الأساسيين لهم. في تجمع أعداء سورية الأول كانت السمة.. توافق عربياً وغربياً وسقوفاً عالية وأضغاث أحلام وأوهام، وفي الثاني تشرذم على الضفتين.. فلا التوافق الغربي - العربي حضر، ولا السقوف المتهالكة من أساسها تكفي للبناء على تحقيق وحدة المتصارعين على المكاسب والمغانم التي تزداد تصدعاً. في الأول كانت التواريخ والمهل حاضرة في سياق الرهان على تبدلات سياسية كبرى في المواقف، وفي الثاني أزمة متفاقمة ومخاوف وربما هواجس من متغيرات عصفت بالصف الغربي ودفعت به إلى التراجع عن حدّ الهاوية الذي تدفع به مشيخات الخليج. في تونس كانت قطر والسعودية لاتزالان القاطرة الكبرى للمشاريع والأفكار والطروحات، وفي استنبول تناطحان التركي الذي لم يقدم حسب القابعين في دياره سوى الوعود والخطابات، بل ليس هناك من جدوى في الرهان عليه أبعد من ذلك. على الطاولة التي عدّلت من استدارتها، وغيّرت من اتجاهاتها سيقف الأعداء على أطلال المواقف السابقة التي بطُلت سياسياً.. سيعبثون في الأوراق التالفة من جديد، وسيعيدون تدوير الزوايا بحثاً عن مخارج تحفظ ماء الوجه أو في أقل الاحتمالات تتيح لهم اللعب ببعض من تلك الأوراق لبعض الوقت الذي يحتاجه كل منهم وفقاً لحساباته الخاصة أو تبعاً لروزنامة انتخاباته القادمة. وحدها مشيخات الخليج تبحث في تصفية الحسابات والأحقاد والضغينة وتطلق تهديدها ووعيدها تارة عبر الشمال وأخرى باتجاه الجنوب، فيما يسيطر الهذيان السياسي لدى سعود على المساحة المتاحة لهم كلها، وفي بعض الأحيان يخرج عن سياقه فيتوعد حمد الذين حادوا عن الطريق، فيما سعود يصرّ على تسليح إرهابييه!!. المفارقة تكتمل قبل التئام الأعداء على طاولة واحدة .. فالرشوة الأميركية حاضرة وجاهزة في الشق الخليجي، بعد أن قدمته منذ أشهر للجناح التركي من المؤامرة في محاولة لإعادة النفخ في القربة المثقوبة التي أدركت الإدارة الأميركية قبل غيرها أنه لا طائل منها. اليوم سنسمع التصويب مباشرة على مهمة أنان بعد أن كان يتم بالمواربة، واليوم سيكتشف الأعداء أن جحور ظلامييهم وإرهابييهم لم تعد صالحة للاختباء، وأن كواليس تآمرهم لم تعد تتسع للمزيد من حياكة الفبركات .. ولابد في النهاية من الافتراق على أمل الالتقاء بعد أن ينجز الغربيون استحقاقاتهم الانتخابية .. ومن ينجو منهم قد لا تطابق حسابات بيدر انتخاباته، تكهنات حقل حروبه ومؤامراته. |
|