|
شؤون سياسية مواكبة هذا الحراك بالتحليل والتشخيص، ودفع بالعديد من مراكز الابحاث والاستراتيجيين إلى وضع تصورات المشهد الاقليمي الراهن ومستقبله في منطقة الشرق الاوسط خصوصا، وتسليط الضوء على دور المحور التركي- السوري- الايراني في خارطة النظام السياسي والاقتصادي العالمي عموما. وبعد الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة الاميركية واشنطن واللقاء مع الرئيس الاميركي باراك أوباما، ومن ثم زيارته إلى دمشق وترؤسه اجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا السورية- التركية بعد الاجتماع المهم الذي عقد في دمشق تحت عنوان المنتدى العربي التركي. وما انثبق عن هذه اللقاءت والاجتماعات من خطط وبرامج عمل مستقبيلة خصوصا في ضوء نجاح تجربة فتح الحدود السورية- التركية والليبية التركية وتوقعات انضمام الدول العربية المجاورة الاردن- العراق- لبنان- دول الخليج العربي إلى قافلة التعاون الاستراتيجي التركي العربي وما سبق ذلك ورافقه من تراجع في طبيعة وبنية ومستقبل العلاقات التركية- الاسرائيلية واستثمار تركيا لعامل الثقة المتبادلة مع دمشق في توجيه بوصلة العلاقات تلك بمعنى أن أي تقدم أو تطور ايجابي في العلاقات مع اسرائيل يجب أن يترافق مع تقدم المفاوضات السورية- الاسرائيلية، في ظل الوساطة التركية، وفك الحصار الجائر عن الشعب الفلسطيني، والانخراط في مفاوضات مباشرة أساسها الحقوق العربية العادلة وقرارات الشرعية الدولية، وما سبق من وعود أو تعهدات بالانسحاب من الارض كاملة وصولا إلى السلام الشامل والعادل الذي هو بالمحصلة ضرورة استراتيجية للاستقرار واتاحة مناخ العمل والتعاون وتحقيق معدلات النمو والنهوض الاقتصادي والرفاه لشعوب المنطقة. ومع هذه المقاربات الاولية فإن ثمة أمرا واقعيا تلمسته غرفة عمليات القرار السياسي التركي خصوصا في العاصمة الاميركية واشنطن ألا وهو اعتراف صريح بالدور التركي- السوري في منطقة «الشرق الاوسط» الكبير منه والصغير، القديم والجديد هذا الدور لا يمكن اغفاله وتجاهله ولا يمكن أن يقزم بالاحتواء أو العزل أو التفخيخ أمنياً تحت لافتة الفوضى الخلاقة الهدامة! وهذا ما عبر عنه الرئيس الاميركي اوباما عندما طلب من أنقرة أن تقوم بدور رئيسي في حل أزمة البرنامج النووي الايراني والقيام بوساطة حقيقية بين طهران ومجموعة 5+1 لما تمتلكه تركيا من مؤهلات من خلال علاقاتها الاقليمية وما تشكله من أهمية جيوسياسية واستراتيجية في حال استمرار سياسة العقوبات ضد طهران التي لن يكون لها أي أثر سلبي أو فعل في ظل عدم التزام تركيا بتطبيقها, وخاصة أنها تشكل أهم الشركاء التجاريين لايران وهي الممر الخارجي لها والذي يمكنها من الافلات من طوق العقوبات الجديدة. إذاً بالمحصلة هناك تفهم أميركي واضح للدور الاقليمي لتركيا، من حيث الظاهر وفي باطنه اقرار بحقيقة المحور السوري- التركي- الايراني الذي يتطور الى شكل فضاء سياسي واقتصادي ومن ثم تكتل اقليمي واقعي لابد من التعامل معه. وبناء على هذا التفهم تراهن الولايات المتحدة الاميركية في الفترة الحالية والمدى المنظور على وضع خارطة طريق يكون فيها لذاك المحور موقع اساسي يمكن من جهة استعادة الدور الريادي الاميركي في المنطقة والتوصل إلى شكل مناسب يحفظ هيبة القوة الاميركية الاولى عالميا، وخصوصاً مع اقتراب موعد انسحاب القوات الاميركية من العراق، والانخراط في استراتيجية أوباما الافغانية بما يمكنه من تحقيق نصر ولو كان متواضعاً في منتصف الطريق نحو ولايته الثانية، إضافة إلى تفهم دوافع اسرائيل الأمنية ومناوراتها الخادعة وتلطيها خلف منصة الفضاء الاقتصادي الاقليمي، أو على الاقل ايجاد آليات تضمن عدم تورطها في مطبات الاستنزاف والنيل من شأن قوتها العسكرية بمعنى أن ادارة اوباما تحرص على الامساك باليد التركية على طريقة الضغط عليها وشدها نحو الخلف مقابل دفع حليفها الاستراتيجي الاسرائيلي نحو الامام أو ما يمكن تسميته فرملة القوة الدافعة ودفع الكتلة المترنحة. أما في الجانب الابعد من معادلة التموضع الاقليمي، فإن الرهان الاميركي على الدور التركي والاعتراف بأهميته ومكانته يلحظ بالحسبان حقيقة تراجع النفوذ الاميركي في منطقة القوقاز وبحر قزوين، وهنا لا بد من مراجعة متأنية لكيفية استعادة هذا الدور والبحث عن وسائل لتفعيله من جديد وحجز مكان المتربص على الاقل أو الشرطي الطامع بتحصيل الاتاوات في ميدان السباق والتنافس العالمي على الطاقة هناك. وهنا قد تمكن سياسة الممرات الاستراتيجية التي يتبناها العالم حاليا الولايات المتحدة الاميركية من ذلك وتركيا الممر الاكبر والاعرض فيها. ومهما يكن من أمر في تشخيص وتشريح حالة النهوض السياسي التركي اقليميا، وطموحاته العالمية فهناك حقيقة لا بد من الاعتراف بها ألا وهي ان تركيا عرفت جيدا كيف تستفيد من حالة الفراغ السياسي بعد فشل سياسة الهيمنة الاحادية القطب وعرف تماما كيف يتابع انجازاته ويراكم فوائده في ظل استراتيجية تجميد الملفات (الشرق أوسطية) من قبل ادارة اوباما حاليا، وهذا ما عزز مكانة تركيا ومن معها، وتحديدا بعد الترابط الوثيق مع القوة الايرانية عسى أن تتمكن تركيا وايران من الانخراط في شكل سياسي اقتصادي عربي- تركي- ايراني يكون رافعة جديدة لعالم متعدد يقوم على مبدأ الشراكة والتعاون لا الالغاء والتقاتل يضج بالمشروعات والتنمية لا التخريب والحروب. مدرس في كلية العلوم السياسية |
|