|
قاعدة الحدث حيث حال جو العلاقات السائدة بين نظام القطبين القائمين آنذاك دون قيامها بمثل هذا الدور، لكن مع زوال تلك الشروط عند بداية القرن الحادي والعشرين، يبدو أن لا مناص لتركيا من عبء القيام بدور تقليدي في الشرق الأوسط حسب الظروف الدولية السائدة حالياً. إلى جانب ذلك تحاول تركيا الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الاتحاد في عام 1993، حيث حصلت رسمياً على صفة دولة مرشحة للانضمام عام 1999 وبدأت مفاوضات العضوية عام 2004. ومرت العلاقات التركية الأوروبية في محطات مهمة من التطور قبل ذلك حيث وقعت في عام 1963 على اتفاقية شراكة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية وبذلك تكون تركيا من أوائل الدول التي توقع مثل هذه الاتفاقية. وفي عام 1970 أبرمت العديد من الاتفاقيات من أجل إقامة وحدة جمركية بين المجموعة وتركيا بحلول 1986، ودخل حيز التنفيذ عام 19٩6 بعد تأخير دام عشر سنوات عن الموعد المتفق عليه ثم قامت في عام 1987، بتقديم طلب انضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية الاتحاد الأوروبي لاحقاً في عام 1989 رفضت المجموعة الطلب التركي مع إقرارها بإمكانية دخولها عضوية الاتحاد لاحقاً، وفي عام 2004 وافق زعماء الاتحاد الأوروبي على بدء مفاوضات الانضمام وتحديد الثالث من تشرين أول 2005 موعداً لبدئها بعد أن أوصت المفوضية بفتح باب مفاوضات لانضمام تركيا إلى الاتحاد وهناك رغبة تركية قوية في استيعاب المكتسبات العلمية والتكنولوجية للحضارة الغربية، والاندماج داخل المنظومة الأوروبية، وهو الهدف المعلن لسياسيي حزب العدالة والتنمية منذ وصولهم إلى الحكم في تشرين الثاني 200٢. ومنافع الاستمرار في محاولة تركيا نيل عضوية الاتحاد الأوروبي أكبر من التوقف عندها وقرار المضي في الشوط حتى نهايته صحيح من المنظور الاستراتيجي الذي يأخذ في حسابه جملة المتغيرات المحلية التركية والإقليمية، والعالمية كما أن هناك رغبة أقدم تسعى إلى الذوبان في أوروبا والاندماج في حضارتها، وهناك فريق من الأتراك يرفض الاندماج الحضاري - بكل معانيه - في الغرب ويناهض عملية التغريب ويتبنى مشروعاً للاستقلال الحضاري ويرى أن مستقبل تركيا يكمن في توجهها ناحية الشرق بدل الغرب. أما على الجانب الأوروبي - على ما فيه من اختلافات بين دوله بشأن الموقف من تركيا - فالنزعة الإقصائية- الاستبعادية كانت ولا تزال هي الأقوى، وهي الأكثر فعالية في ترتيب علاقات أعضاء النادي الأوروبي مع تركيا فهناك أصوات لأحزاب ولحكومات أوروبية تنادي بالانفتاح على تركيا، ولكنها أصوات خافتة، وغير حاسمة، وهناك موقف ثالث يقدم حلاً وسطاً مفاده ألا تمنح تركيا عضوية كاملة وإنما يتم منحها «شراكة متميزة» مع الاتحاد الأوروبي. وما من شك أن التقارب التركي مع الاتحاد الأوروبي له انعكاسات وتداعيات إيجابية كثيرة على العلاقة الأوروبية مع العالم العربي والإسلامي. إن مجرد قبول أوروبا لتركيا هو إشارة على أن العامل الديني لا يقع في أساس التعامل الأوروبي مع المسلمين وهذا يفسح المجال أمام مرحلة جديدة بالكامل في علاقة جيدة بين الطرفين في التعامل ويطوي صفحات ماضية سلبية طبعت تاريخ العلاقة بين الجانبين. وفي نفس الوقت الذي تسعى فيه للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد بدأ توجه تركيا نحو العالمين العربي والإسلامي، هذا التحول بدأ مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وانتهاجه سياسة جديدة تجاه العالم العربي والإسلامي مع تباعد عن «إسرائيل» وهو ما أتاح مجالات جديدة وأوسع للحضور والتأثير لم تكن سابقاً. وتمظهرت الثقافة الإسلامية لسلطة العدالة والتنمية في تقارب أكبر مع إيران وفي توثيق روابط اقتصادية مع دول الخليج العربي وفلسطين كما إن العلاقات مع سورية تجاوزت توقعات أكثر الناس تفاؤلاً. هذا التحول في سياسة تركيا الخارجية لم يكن في الوقت نفسه على حساب العلاقات مع الغرب ولاسيما المجموعة الأوروبية. إن هذا يحصل للمرة الأولى في التاريخ التركي الحديث: علاقات جيدة لتركيا مع جميع القوى الإقليمية والدولية، ولا يمكن إرجاع ذلك فقط إلى رغبة قادة حزب العدالة والتنمية لكن الظروف الدولية التي سبقت وتزامنت مع انتصار الحزب وحسن قراءة منظريه لهذه التحولات كانت عاملاً راجحاً في اتخاذ السياسة الخارجية وجهاً مختلفاً عن السابق. وتتزامن العودة التركية الحالية إلى المنطقة مع ترحيب جماهيري عربي كبير ينظر إلى تركيا باعتبارها لاعباً إقليمياً يعود بعد غياب ليتواجه إعلامياً ودبلوماسياً مع كيان الاحتلال الصهيوني الذي يعربد في المنطقة عسكرياً بغطاء أميركي. إن تركيا تعلم أن ممارسة الحضور الإقليمي في المنطقة يتطلب حداً أدنى من الصمود في مواجهة الصلف الإسرائيلي ومن خلفه القطب العالمي الأوحد وهو ما فعلته باقتدار خلال العدوان الصهيوني على غزة. daryoussi@gmail.com |
|