|
مجتمع و التقدم الذي أحرزته البشرية في شتى المجالات، لم يساعد فقراء العالم في حل معضلتهم، ورغم الخير الوفير الذي تجنيه الأرض و الذي يجمع الخبراء على أنه كاف لتقديم الرفاهية للستة مليارات من البشر الذين يعيشون فوقها لو تم توزيعها بالحد الأدنى من العدالة. لن نستفيض بالحديث عن العدالة فهي بعيدة ويزداد بعدها مع النظام الاقتصادي السائد في العالم، ويمكن استبدالها بالحديث عن التنمية؟ وهنا يمكننا السؤال ألايشكل وضع الفقراء في العالم خطرا؟ وهل يبذل الأغنياء والحكومات في العالم الجهد الكافي لمعالجة أوضاعهم؟ يحدد الخبراء أسباب بعينها لانتشار الفقر في العالم اليوم، منها مثلا: ظاهرة العولمة، ودورها في نشر الفقر وتدمير اقتصاد الدول النامية. وهذا الكلام ليس رومانسيا أو لمعارضي العولمة بل للخبراء والمختصين. ومنهم جورج سروس أحد أقطاب الاقتصاد العالمي الجديد الذي يقول «لقد أدت العولمة إلى انتقال رؤوس الأموال من الأطراف (ويعني البلدان النامية) إلى المركز أي الدول الغربية». أيضا يقول جون ستجلتيز الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي «إن الدول الآسيوية القليلة التي انتفعت من العولمة هي تلك التي أدارت العولمة بطريقتها، أما البلدان التي تضررت وهي الغالبية فهي التي أخضعت نفسها لأحكام الشركات الكبرى والمنظمات الاقتصادية الدولية وهي المؤسسات المؤيدة للعولمة». ويتفق مع هذه المقولة كون الأزمة المالية التي وقعت في شرق آسيا عامي 97 و98، والتي كانت من أولى نتائج ظاهرة العولمة، أدت إلى عواقب اجتماعية مدمرة. ويمكننا ان نضيف أن العقوبات الاقتصادية وغزو واحتلال الدول كلها أمور أدت إلى تفاقم مشكلة الفقر وحولت شعوبا كانت في الأصل غنية إلى حالة من الفقر الشديد. الا أن أسوأ الأسباب والتي قد تكون من نتائج سياسة العولمة هي التغيرات الكبيرة التي قوضت التنمية الاجتماعية، ومن أمثلتها ما حصل في أوروبا الشرقية ووسط آسيا، حيث قامت المؤسسات العتيقة للاقتصاد ذات التخطيط المركزي -التي كانت توفر في السابق الرعاية الصحية طوال العمر- بإنشاء مؤسسات جديدة أكثر ملاءمة للسوق الحرة، وأدى الانخفاض الكبير في الأجور الفعلية المترتب على ذلك والذي وصل إلى 77% في أذربيجان على سبيل المثال إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر في تلك البلدان، وأصبحت نسبة 32% من السكان في تلك المناطق تعيش الآن في حالة من الفقر بعد أن كانت 4% فقط عام 1988. واذ يجتمع هذه الأيام قادة من مختلف دول العالم لمناقشة أوضاع الأرض البيئية، الا أن تجاهل الدول الصناعية الكبرى لظاهرة الاحتباس الحراري لاتزال قائمة، حيث لا تزال الدول الأغنى في العالم تمتنع عن توقيع أية اتفاقيات للحد من انبعاث الغازات السامة من مصانع التكنولوجيا التي تمتلكها، ويدق الخبراء في هذا المجال ناقوس الخطر ويعلنون أنه إذا لم تبذل جهود كبيرة في هذا المجال فإن كوكب الأرض ربما يصاب بشيخوخة مبكرة نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري الناجم عن تضرر طبقة الأوزون. وتأتي النتائج مروعة على لسان علماء المناخ حيث أنهم يؤكدون أن الكوارث الطبيعية التي تلحق بالكوكب اليوم ما هي إلا نتيجة من نتائج استهتار الدول الصناعية وعدم مبالاتها، ومن ضمن هذه الكوارث: الزلازل والأعاصير والفيضانات والجفاف والتصحر، وكلها ظواهر تؤدي إلى إفقار الشعوب وتشريدها. ومن الأسباب الهامة لازدياد الفقر هيمنة القطب الواحد فمنذ إمساك امريكا قيادة العالم تفاقمت معضلة الفقر، بسبب الحروب والعقوبات الاقتصادية، وغزو واحتلال الدول بحجة ملاحقة الارهاب، سعيا وراء السيطرة على المواقع الإستراتيجية في العالم، ففلسطين و والعراق أكثر الشعوب تضررا من هذه السياسات، وفي أفغانستان تردت الأوضاع التي لم تكن بالجيدة أصلا إلى درجة تصل إلى حد الكارثة الإنسانية. ويشير المراقبون إلى أن الوضع مهدد بالتردي وقائمة الدول مرشحة للزيادة إذا لم ترتدع الأطماع السياسية أو يتحرك العالم لكبح جماح القطب الواحد الساعي للسيطرة على العالم. وفي بلداننا نحن بالاضافة لتأثرنا بكل تلك الأسباب تأتي الادارة السيئة مع الفساد لتعمق تأثرنا بازدياد رقعة الفقروترنح التنمية. وبينما تنادي الدول الغربية بالعدالة واحترام حقوق الإنسان والإعلان عن تصميم البرامج الرامية إلى الحد من الفقر ومساعدة الدول الفقيرة و تقديم الغذاء والخيام والإسعافات الأولية ، تقوم حكوماتنا أيضا باقتراح خطط قاصرة، أي ان الالتزام السياسي ظل غائبا، ولم نجد حلولاً طويلة الأمد. رغم ما تبتلعه المحيطات من فقراء العالم وتقتله الحروب والكوارث الطبيعية الاأنهم يزدادون والحل ليس في تقديم القوت بل القضاء على الأسباب الكامنة وراء الفقر في مختلف أنحاء العالم بصورة سريعة ومستديمة ومتواصلة. |
|