تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جسور من الصداقة بين الأهل والمراهقين

مجتمع
الثلاثاء 22-12-2009م
منال السماك

يفرح الأهل وهم يرون براعمهم الصغيرة تنمو أمام ناظريهم، ويراقبون بأمل انطلاقتهم نحو الاستقلالية والاعتماد على النفس تأهباً لدخول عالم الكبار، ويغامر البعض منهم في منح هؤلاء مزيد من الثقة،

ليس لثقتهم المطلقة بهم وبقدراتهم على التعامل مع المواقف الحياتية المتنوعة، ولكن لقناعتهم بأنهم فنانون في كيفية التعامل مع استقلالية الأبناء، ولامتلاكهم زمام الأمور وإمكانية التدخل في الوقت المناسب لحمايتهم من المخاطر المتوقعة.‏

وبالمقابل لايتجرأ البعض من الأهالي في منح هذه الثقة ويراودهم شعور بالضيق والقلق ويعجزون عن تقبل الكم الهائل من التغيرات في نمو شخصية هؤلاء الأبناء، وقد يصل الأمر أحياناً لرفض الأهل بالمطلق ومقارنتهم مع ذوي أقرانهم.‏

وأمام رغبة المراهق وحاجته للاستقلالية وتحقيق الذات واثبات الوجود، والانفلات من القيود والضوابط يبرز موضوع الثقة المتبادلة بين الأهل والمراهقين، وهنا يجدر بنا أن نبحث عن السر الذي يجعل الأب والأم مصدر ثقة لهؤلاء الأبناء في سنهم الحرجة والتي تكون خطوة في بناء شخصية متوازنة ومتكاملة.‏

نقل الخبرات بلغة الأصدقاء‏

وبهذا الخصوص فقد أجمعت الدراسات الحديثة في طب النفس أن ايجاد التوازن بين الاعتماد على النفس والخروج من دائرة الحاجة للنصح والتوجيه إلى دائرة الصداقة والتواصي وتبادل الخواطر وبناء جسور من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق والأخ، لابلغة ولي الأمر، هو السبيل الأمثل لتكوين علاقة حميمة بين الأهل والمراهقين.‏

كما أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80٪ من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثم يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم لأنهم يعتقدون أن الآباء، إما أنهم لايهتمون بأن يعرفوا مشكلاتهم أو أنهم لايستطيعون فهمها أو حلها.‏

أثر الرفض أو التقبل الوالدي‏

عن هذا الموضوع حدثتنا الاختصاصية النفسية فريدة الحسين والتي أكدت أهمية تكوين علاقة حميمة على أساس من الثقة المتبادلة، ومن الضروري أن يكون الابن معجباً ومقتنعاً بأبيه وأمه، لأن ذلك ينعكس ايجاباً على محيطه، فتقبله لهما ضروري، وكثيراً مانجد أن هناك أبناء في هذه السن يعقدون المقارنات بين أهلهم وأهل رفاقهم، وهنا يمكن الحديث عن أثر الرفض أو التقبل الوالدي، ومما لاشك فيه أن تقبل الوالدين للمراهق أو رفضهم له، له أثر كبير على شخصيته وقد يكون تقبل الناشىء خير غذاء لنمو ذاته، في حين أن الرفض يعرقل عملية النمو، والكثير من الأهالي يرغبون في تقبل الناشىء لهم، ولكنهم يجهلون الطريقة.. فمنهم من يلجأ إلى الدلال المفرط، ويحاولون إرضاءه عن طريق المال وتلبية رغباته المادية وهم لايدرون أن هذا الدلال في باطنه قد يكون تسلطاً أعمى.‏

وتشير الحسين إلى دراسة علمية أثبتت أن الأبناء الذين لديهم ثقة كبيرة بوالديهم حققوا تكيفاً أفضل من أبناء آخرين كانوا ضعيفي الثقة بوالديهم كما توصلت هذه الدراسة أن معظم المتمردين والمشاكسين والثوار في المدرسة قد أتو من أسر تغلبت فيها علاقات الشك والتوتر بين الوالدين.‏

وبناء على ذلك فالنمو السليم للمراهق يتطلب أن يجد من يثق به، وعلى الأهل أن يعملوا ومهما كانت الظروف على تعزيز ثقة أبنائهم بهم فنحن لانريد أهالي متسلطين بل أن يكونوا قريبين من أبنائهم ومنبع ثقة لهم.‏

وقد يتبادر إلى الذهن سؤال لهم بهذا الخصوص.. ماذا يحب المراهق أو يكره بأهله، وهنا تجيب الحسين بأن المراهق يحب أن يتقبله والداه كما هو وأن يعامل بعدل مع احترام شخصيته لأنه يتلهف إلى المناسبات والفرص التي يستطيع فيها أن يؤكد ولاءه لعائلته وبنفس الوقت قد يرفض أموراً كثيرة بأهله فهو يرفض التأنيب المستمر والانتقاد اللاذع والجارح والتوبيخ ومقارنته بأحد أخوته، ودعوته للتشبه به ومتابعة نتائج امتحاناته بالمدرسة بشكل مستمر فيشعر بأنه ملاحق ومازال صغيراً بنظرهم بالإضافة لرفضه التوبيخ عن العلامات المنخفضة، في حين يحتاج إلى المناقشة والتفهم.‏

الشدة المعتدلة تعزز الثقة‏

وعن العوامل المؤثرة على رأي المراهق بأهله تلفت الحسين أهمية مراعاة الأب والأم لعدم الافصاح عن سلبيات أحدهما أمام الأبناء فأحياناً تذمر الأم من الأب ينعكس سلباً على شخصية المراهق فتتزعزع ثقته بوالده، وهذا يؤثر على سلوكه خارج نطاق الأسرة ويتبدى ذلك في التمرد والعصيان ضمن جماعة الأقران والمدرسة.‏

لذلك من الضروري ألا يعرف الأبناء سلبيات الأهل إلا في سن متأخرة (سن الرشد) والمحافظة على صورة جميلة ضمن إطار الايجابيات فقط بعيداً عن السلبيات.‏

فالجو الايجابي لنمو شخصية متوازنة يتطلب معاملة خاصة لهذا المراهق وهناك دراسة اعتمدت ثلاثة أساليب للمعاملة منها القبول والرفض، والثانية الثقة والاستقلال والديمقراطية، والثالثة التسلط وقد خلصت هذه الدراسة إلى أن الاطمئنان الذي يحظى به الناشىء أفضل من الحرمان، وتكون النتيجة تكيفاً أفضل فالمسايرة والتقبل يجديان أكثر من الضغط والاكراه والنصح والارشاد يعطي نتيجة مثالية بعكس العقاب البدني فالشاب الذي يكون لديه أشكال من السلوك العدواني يظهر من دراسة حياته وظروفه أنه قد شحن بمعاملة محيطه يكثر فيها الاهمال والهجر والنبذ.‏

فالشدة المعتدلة في معاملة الأبناء لها علاقة وثيقة في تكوين الثقة بالنفس أما التسلط والمبالغة بالشدة سيكون ارتباطه عالياً مع مظاهر العدوان عند المراهق داخل البيت وخارجه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية