|
عن لو فيغارو قيل كل شيء عن العداء المستحكم بين سارتر وكامو. في بداية الأمر, كان يجمع بينهما كثير من وجهات النظر المشتركة, وفيما بعد بدأ كل واحد يبدي تحفظه على أعمال الآخر وفي نهاية المطاف بدأت المسافات تتسع وتتعمق حسب المواقف المتخذة من قبل كل منهما. خلافاتهما شغلت الصحافة الفرنسية ردحاً من الزمن, وتولد العداء والخلاف بين المفكرين إثر نشر كامو كتابه الشهير (الرجل المتمرد) الذي حظي بترحيب الصحافة الفرنسية وعمقته خلافاتهما حول القضايا الفكرية والسياسية, وقد أوعز سارتر إلى أصدقائه بكيل الانتقادات إلى «صديقه اللدود» ألبير كامو عبر صفحات مجلته «الأزمنة الحديثة» والإشارة إلى «عدم الكفاءة الفلسفية» لدى كامو, والذي أجاب بشكل قاطع: «أرهقتني انتقادات أناس لم يحتلوا كرسياً في الحس التاريخي». إن التاريخ الأدبي يحتفظ بصورة ضبابية عن العلاقة بين المفكرين, ناهيك عن قصص كانت تحصل باستمرار في علاقتهما كانت تؤدي إلى قلب النظام القائم بينهما. صحيح أن ثورات الغضب كانت تشتعل لدى سارتر وكامو, ولكنهما كانا يطريان على بعضهما كأي زميلين متحابين. في رسالته, يخاطب كامو صديقه سارتر, ويتوجه أيضاً إلى سيمون دي بوفوار, تحت الاسم المستعار (القندس) الذي لقبها به سارتر ويستعمله المقربون بقوله: «عزيزي سارتر, هاهي كنوزكم التي رصعتها بالشكر. أتمنى لكم وكذلك للقندس المزيد من العمل. لقد قمنا وأصدقائنا بعمل سيء, عمل سيء للغاية لدرجة اختل نومي بسببه. اعطوني إشارة حين عودتك, سنقضي أمسية حرة, صداقتنا. كامو». هذه الكلمات لا تصدر عن عدو مبين. تم العثور على هذه الرسالة, غير المؤرخة طي نسخة من كتيب حرره سارتر مباشرة بعد وفاة كامو وطبع منه ستين نسخة. حيث عمل صاحب هذه النسخة على إغنائها في هذه الرسالة التي تم وضعها في مقدمة الكتاب, وهو إجراء كان معمولاً به لدى هواة الجمع المهرة. ومن المقرر عرض هذه الرسالة في معرض تنظمه مؤسسة سيسيف في قصر لورمارين, خلال الشهر الجاري, وذلك بمناسبة الذكرى المئوية لمولد صاحب رواية الغريب بعنوان «البير كامو.. من تيباسا إلى لورمارين.. معرض بمناسبة مئويته» خلال الفترة الممتدة من 5 إلى 8 أيلول الحالي. وفضلاً على أن هذه الرسالة غير منشورة, تعتبر من الوثائق النادرة نظراً لأن الغالبية العظمى من المراسلات بين كامو وسارتر قد اختفت. ووحدها المجلات تحتفظ ببعض الأثر لتلك المراسلات. ولكنه الأثر اللاذع, ومن أجل هذا الغرض راسلت المكتبة المختصة بأعمال سارتر البروفسور الأميركي رونالد ارنوسون والذي أشار إلى أهمية الرسالة التي من المرجح أنه تم كتابتها ما بين عام 1943 تاريخ لقائهما, وعام 1949 تاريخ توتر العلاقة بينهما, حسب فرضية البروفسور. ولكن ما هو هذا العمل السيء الذي تحدث عنه كامو ومنعه من النوم؟ من الممكن أنه يعني التعاون غير المثمر بين كامو وسارتر لكتابة مسرحية. ففي عام 1943, اقترح سارتر على كامو وقد أثار إعجابه هذا الكاتب الشاب الذي كان قد نشر لتوه مسرحية (الغريب) بكتابة مسرحية. حتى إنه طلب بتمثيل الشاب المتوسطي دور غراسين. وتروي سيمون دو بوفوار هذا الفصل في علاقة الاثنين: «وافق كامو بعد تردد وأمام إصرار سارتر. وجرت البروفات الأولية في غرفتي. ونظراً لمدى الاستعداد الذي أبداه كامو حول هذا المشروع والإمكانيات التي أفصح عنها تولدت صداقتنا معه.» إلى أن ينقض مدير Vieux-Colombier هذه الصداقة الوليدة مؤكداً أن كامو لم يكن ذا خبرة كافية. ولأنهم سحبوا منه المسرحية, تخلى كامو أيضاً عن الدور. وتشير القندس (سيمون دو بوفوار) في وقت لاحق إلى رسالة كامو: «انسحب بهدوء من هذا التعاون المسرحي». وربما تلك هي «الكنوز» التي أعادها كامو إلى سارتر, وهو أسلوب فك ارتباط مع إظهار الانزعاج من الفشل وهو المجنون بالمسرح إلى درجة إصابته بالسهد. وعلى هذا النحو ستكون هذه الرسالة التي تشير إلى فترة معينة من المسار المشترك لكامو وسارتر ضمن عروض معرض لورمارين. ولا شك سيكون هناك كنوز أيضاً في المعرض يمنحها هواة جمع أو مؤسسات. ومن ضمنهم رسائل إلى فركورز, على سبيل المثال, وفيها يشكره كامو على كلمته التي وجهها له بمناسبة استلامه جائزة نوبل. في السابع من شهر تشرين الثاني المقبل, يكون كامو قد أتم المئة عام. ولإحياء هذه المناسبة لن تدخر دور النشر جهداً لأجل إحياء ذكرى هذا الكاتب, ولاسيما من جهة دار غاليمار, ناشره الحصري لغاية وفاته بحادث مأساوي عام 1960, في الطريق إلى يون. وسوف يضاف إلى هذه الرسالة الخاصة بحامل جائزة نوبل عام 1957 في شهر أيلول ثلاثة مجلدات حديثة لم يجر نشرها, تتضمن مراسلات كامو الكاملة مع الشاعر فرانسيس بونغ, ولويس غيو وروجيه مارتن دو غارد. وسوف تصدر ابنته كاترين, صاحبة الحق المعنوي بإرث الكاتب, ودائماً لدى غاليمار ألبوم بعنوان «العالم في تقاسم». ومن بين المعروضات, من المقرر أن يعرض الروائي الجزائري سليم باشي لدى دار فلاماريون صورة عن كامو خلال سنوات تكوينه الأدبي, تحت عنوان «الصيف الأخير لشاب». |
|