|
مسرح فهل قام بمسؤولياته المأمولة منه تجاه محيطه أم انه كان مخيبا للآمال..؟ رغم وجود نماذج لمثقفين كانوا كعلامات فارقة، في مقابل وجود مثقفين استخدموا الثقافة كمهنة، تفتقد الأهداف والمبادئ.! هنا لابد من استحضار الأسئلة الكثيرة والمفتوحة ،والمسرح خير من يقوم بهذه المهمة، وقد عودنا المسرح السوري ذلك المشروع الثقافي الهام المرور على كل المساحات. فالمسرح كفن ينظر بعين الباحث عن الحقائق، قد صور الوجهة الأخرى، حيث أخفق المثقف في حفظ أمانته، فقدم المسرح السوري معالجات كثيرة في هذا السياق، وطرح بعض النماذج السلبية، فأشار إليها بجرأة، ونقدها، وقدم قراءات متعددة ومختلفة للمثقف السلبي. مثلا عرض (ليلي داخلي) إخراج (سامر إسماعيل) الذي قام على مشهد واحد، اختزل فيه كل المشاكل و الحكايا، والحوادث، والمشاعر، كي يصور ذلك المثقف حيث فجرت(وداد) الزوجة كل ذلك دفعة واحدة، كي تفضح ماضي الزوج و حاضره ومستقبله، وقد ادعى الثقافة سابقا، فرأت فيه مخلصها من الآلام، التي تعيشها المرأة ككل، فها هو يصدمها في الماضي، كما يصدمها في الحاضر، هي تتألم وتشكو وتبوح، وهو يعيش في عالمه الخاص، يعيش مع الانترنت و الفيسبوك، و يمارس أنانيته وحياديته القاتلة تجاه مآسيها و مآسي من حولها،وكم ادعى تمسكه كمثقف بالمبادئ والخير.! وقد أوحى العرض بان الزوج يتعامل مع أي واقع مثلما يتعامل مع زوجته، بل انه يتعامل مع أي واقع بقدر ما يخدم مصلحته الضيقة، و الحفاظ على مكانته الاجتماعية المزيفة ضاربا بعرض الحائط كل شيء، إن كان على الصعيد الاجتماعي أو الإنساني أو الوطني، لان الزوجة في بعض حواراتها قصدت، أن تأتي من بين الناس ومن جهتهم، بالتالي ذلك الزوج الجهة المقابلة هو أناني تجاه كل شيء، إلا تجاه مصلحته الضيقة،فذلك المثقف كان حياديا تجاه آلام زوجته ومحيطه، ووطنه. أيضا عمل مسرحي آخر ركز على طبقة المثقفين، الذين يمارسون الاستعلاء على محيطهم، ويبحثون عن هويتهم في أماكن أخرى، لكن الواقع تكفل بدحرهم إلى المهاوي، لأنهم لم يكونوا مثقفين حقيقيين، يقومون بدورهم و لم يختاروا الحل الصحيح، فكان الضياع من نصبيهم كما هو في عرض(العاجزون) من إخراج (مضر رمضان) فالعرض كان حول شخصيات بحثت عن ذاتها بعيدا عن الوطن، و قد اعتبرت نفسها فوق الواقع فأجبرها طموحها إلى الذهاب والبحث عن الأفضل فتكسرت الآمال، بعد أن ذهب أصحابها إلى عوالم، فقدوا فيها أي قيمة، و تضاعف ضياعهم في الغربة، حيث التهميش و الضياع و الانحراف. و هذه الفكرة بالذات قال عنها مخرج العرض :يعالج النص انهيار المثقف وانهيار المفاهيم، إلى درجة تم البحث فيها عن ملجأ خارج الوطن، فلجؤوا إلى أوروبا لإعادة تعريف ذاتهم، لكنهم وجدوها ككتلة منهارة، ليس للإنسان فيها وجود إما قاتلا أو مقتولا، وقد قصدت اختيار النص في هذه الفترة تحديدا، ليكون دعوة واضحة، كي يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه الوطن و خاصة المثقف، لاأن يهرب من وطنه أو يفكر بالبحث عن هوية خارجه، لأنه لن يجد إلا الضياع، والمثقف مطالب أكثر من غيره، لذلك ركزت على قضية الثقافة والمثقف بكونه قادر على الرؤية الأدق وفرز المقاصد والأهداف، قادر على التحليل وتفكيك الجزئيات والتقاط الأبعاد، من هنا مسؤوليته تجاه الوطن اكبر من غيره، ومن أي فرد آخر، و الهروب من مشاكل الوطن هو خيانة لهذا الوطن. أيضا عرض (الكوميديا السوداء)عن نص ل(بيتر شافز) فيها إدانة لذلك المثقف، والذي يتطلع برغبة مسعورة إلى الانتقال من حال إلى حال، و مهما كانت الوسيلة والطريقة التي يصل بها، كذب كان أم نفاقا أم مبالغة أو حتى خلع جلده أو سرقة وغيرها، رغم انه النموذج المفترض به، أن يحمل للمجتمع القيم وكل الثوابت والمعايير التي تحميه، فكم يحمل انهيار هذا المثقف.! وهذا هدم لقيم ومبادئ كثيرة، و قد جسد الفنان التشكيلي طبقة المثقفين في العمل، وتم تسليط الضوء على الزيف التي تحمله، عندما لا ترى إلا ذاتها متعالية ومتعامية عن رؤية الاخرين،وهذا بحد ذاته مأساة وتحديدا بكون المثقف، محط أنظار يتطلع إليه المجتمع في حمل راية الأخلاق والمبادئ والحق، وقدوة طليعية من شأنها تقويم المسارات في كل الاتجاهات. وعندما يقوم المسرح بطرح قضايا المثقف ومعالجة بعض نماذجه السلبية، فانه يتصدى كعادته لمعالجات، تلتصق بالناس ومشكلاتهم، وتهم المجتمع في اتجاهات عديدة،خصوصا بما يتعلق بأخذه إلى مجتمع أكثر رقيا وتقدما وتطورا من الناحية الثقافية والفكرية والإبداعية ،من هنا فإن شخصية المثقف وتراجع دوره وتلكؤه تجاه مسؤوليته وتجاه مجتمعه مسألة على غاية من الأهمية، وهنا المسرح السوري يضع يده على الجرح ويقدم رؤية نوعية ،من أجل توعية الناس لأهمية المثقف الحقيقي،لا ذلك النموذج الذي يحتمي بالشعارات الفارغة دون أي مسؤولية،وفضحها من مهام الفن الحقيقي،والذي أكده ويؤكده دوما مسرحنا،في نفس الوقت الذي يتمسك به بالمثقف المبدئي. وكما قال الفنان المسرحي(يوسف المقبل) في احد لقاءاته: أعتقد أن المثقف والفنان هو ثروة وطنية ،يجب الحفاظ عليها،وانهيار هذه النخب،هي انهيار لمنظومة المجتمع، كانت ومازالت النخب الثقافية من مشتغلين في الثقافة والفن، هي التي يعول عليها في الدفاع عن الهوية الوطنية والانتماء والقيم وكل حالة ايجابية ،وهنا أقصد النخب الحقيقية، وهذه النخب هي من تمنح المجتمع الذي تنتمي إليه الحصانة الحقيقية، وذلك من خلال تبنيها لقضايا المواطن والوطن وجعلها الهدف الأساس في دفاعها عن الوطن، وإذا أردنا الحديث عن دور الفن والمسرح، فعليه أن يقوم بتوعية الناس،والوقوف على الحقائق التي يعرفها المواطن،فيدافع عنها عبر إبداعه بجرأة وموضوعية. |
|