تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ندوة الجواهري- دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت سبائك الذهب الغالي فما احترقا

ثقافة
الثلاثاء 17-9-2013
فاتن دعبول

اعتلى عرشه في قلب التاريخ العراقي، بما عاش من عمر مديد وما أرخ من أحداث جسام، وما أثار من زوابع خلال سيرته السياسية والأدبية،

شاهداً على قرن بأكمله من عمر العراق المعاصر، وكأنه كان يستعيد موقع راوي الملاحم في ثقافة الاغريق، كما وصفه جبرا ابراهيم جبرا..‏

امتاز أسلوبه بالصدق في التعبير والقوة في البيان والحرارة في الإحساس الملتحم بالصور الهادرة كالتيار في النفس، هو قامة أدبية ووطنية لاتجارى...‏

الشاعر الكبير، أمير الشعراء محمد مهدي الجواهري، وقد احتفى به مركز ثقافي «أبو رمانة، ضمن سلسلة «أعلام خالدون» بمشاركة من الدكتور ماجد أبو ماضي، والدكتور اسماعيل مروة..‏

شاعر اللغة العالية والصورة التي تستعصي على الفهم‏

يقول د. اسماعيل مروة، لاشك أن كل من يقرأ شعر الجواهري سيجد صعوبة كبيرة في فهمه، مايضطره للعودة الى البحث عن المعاني، وفي هذا شيء من عظمة الجواهري، وقد تأملته مرة في تكريمه بمكتبة الأسد، ورأيت فيه رغم انحناءته، هو أطول من كل القامات.‏

الجواهري وبشهادة أصدقائه، حفظ اللغة وأعاد المهمل منها، حتى صارت مألوفة، فهو النجفي وصاحب العمامة، استطاع أن يتحلل من عمامته بعد أن جاوز العشرين من عمره، وتلقى العلوم الدينية والشرعية، وقد فارق العمامة والفقه فقط لينطلق الى آفاق الحرية، ولكنه ظل محتفظاً بهذه الثروة اللغوية التي أخذها من المدرسة النجفية إضافة الى المحاججة والأسلوب الفقهي، حتى إننا نرى في قصيدته «جبهة المجد» وكأن إنساناً يبحث في قضايا فقهية ويدخل في أسلوب التعليم، لغته ربما نفهمها من خلال السياق، وهذه ليست مثلبة، وإنما هو ثوب لبسه الجواهري من النجف ولم يغادره حتى نهاية حياته.. يقول:‏

شممت تربك لازلفى ولاملقا‏

وسرتُ قصدك لاخبا ولا مذقا‏

وسرتُ قصدك لاكالمشتهي بلداً‏

لكن كمن يتشهى وجه من عشقا‏

قالوا دمشق وبغداد فقلت هما‏

فجر على الغد من أمسيهما انبثقا‏

ياجلق الشام إنا خلقة عجب‏

لم يدر ماسرها إلا الذي خلقا‏

وعند أعوادك الخضراء بهجتها‏

كالسنديانة مهما اساقطت ورقا‏

وتوقف د. مروة عند بعض النقاط أن الشاعر يتميز بالنبوءة، وإلا لاحاجة لأن يكون شاعراً، فابراهيم طوقان مثلاً له قصائد «سماسرة البلاد» يتحدث فيه عن كل ماجرى فيما بعد في فلسطين.‏

وأن بريد العودة، لاشك هو أسبق من بريد العودة، كتبه في براغ، وعندما عاد الى العراق كتب بريد العودة كما لو أنه إعادة الاعتبار للوطن الذي أعاده وانتخبه رئيساً لاتحاد الكتاب ونقيباً للصحفيين..‏

وقد كان خروجه من بغداد طوعياً، ودعي من قبل اتحاد الكتاب التشيك ليقيم هناك فأقام، وكل مدائن العرب طلبت الجواهري..‏

لقد ارتسمت الغربة ومعالمها في حياة الجواهري وشعره، وهو الشاعر المنتمي، فعاش غريباً ومات غريباً، ودفن غريباً وصحب الغربة في كل مراحل حياته وفي مستقره الدائم بعد الرحيل...‏

وقد وضعته ذائقته الفنية في مكانة نقدية عالية، فكان لايدخل موضوعاًليس أصيلاً فيه، فهو موجود في كل موضوعاته القومية والوطنية والوصفية والوجدانية، حتى بات قامة شعرية عربية قلما يجود الزمان بها..‏

من العمامة والفصاحة إلى الصحافة والحرية.. رحلة إبداع‏

ويقف د. ماجد أبو ماضي عند سيرة الجواهري، فقد ولد في 26 تموز 1899 وتوفي بعد عيد ميلاده الثامن والتسعين بيوم، 27 تموز، وكان شاهداً على قرن بأكمله، عاش حياته على الخطاب السياسي، يشارك بالمعترك السياسي في العراق وفي بعض الوزارات، واختير رئيساً لاتحاد الكتاب العرب لمرات عديدة، وأصدر أول ديوان شعر بعنوان «حلبة الأدب» عام 1923، وعندما توفي أحمد شوقي رشحه الأديب طه حسين ليكون أميراً للشعراء في ذاك الوقت، سجن مرات عديدة في العراق لمواقفه السياسية، وأصدر صحف الفرات وجريدة الإصلاح والانقلاب والرأي العام وصدى الدستور والجندي وأصدر دواوين عديدة أشهرها (بريد العودة، أيها الأرق، خلجات)عاش في المنافي نتيجة لمواقفه السياسية استقر فترة في براغ في آخر حياته عاش في سورية واحتضنه الرئيس الراحل حافظ الأسد وقربه ومنحه وسام الجمهورية للشعر..‏

تميز الجواهري بصوت قوي جهوري متماسك في خطابه، يعبر عن المعاني من خلال الإلقاء في العقدين الأخيرين من حياته، هجر الشعر السياسي واختصر على الشعر القومي والغزلي...‏

استشرف المستقبل من خلال نظرته إلى فلسطين من خلال التنبيه لماستؤدي إليه الهجرة اليهودية إلى فلسطين يقول:‏

أكلما عصفت بالشعب عاصفة‏

هوجاء نستصرخ القرطاس والقلما‏

هل أنقذ الشام كتاب بماكتبوا‏

أو شاعر صان بغداداً بما نظما‏

سيلحقون فلسطيناً بأندلس‏

ويعطفون عليها البيت والحرما‏

ويسلبونك بغدادا وجلقة‏

ويتركونك لا لحماًولا وضما‏

يا أمة لخصوم ضدها احتكمت‏

كيف ارتضيت خصيماً ظالماً حكما‏

لا تطلبي من يد الجبار مرحمة‏

ضعي على هامة جبارة قدما‏

إذاًهو اتخذ من الشعر وسيلة لإيصال رسائله إلى الآخرين والتنبيه لما قد يقع في المستقبل، وهذه هي وظيفة الشعر الاجتماعية.‏

اتبع الجواهري كلاسيكية جديدة، واختط لشعره بناء خاصاً ولغة خاصة تجزل في المواضيع السياسية والقومية، وترق في الغزل الذي يحتاج إلى بوح المشاعر ووضوح الكلمات لتصل من القلب إلى القلب دونما عناء.. وبقي شعره يحمل بصماته كآخر الكلاسيكين الكبار الذي احتفظ بقوة التأثير، من خلال المكانة التي يحملها والتعبير الذي يوصلنا إلى التأثر ويوصله الى التأثير..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية