تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بين عالميته وعولمته..

الثلاثاء 17-9-2013
سعد القاسم

في الحديث عن الثقافة في زمن العولمة وضمناً الفن التشكيلي،يُخلط أحياناً بين مفهوم عالمية الفن, ومفهوم العولمة ببعدها الثقافي . فالفن التشكيلي (كما الموسيقا والرقص) هو فن عالمي بحكم بنيته , لأنه يظل قادراً على الوصول إلى المتلقي مع اختلاف ثقافة المتلقي،

وذلك لعدم حاجته إلى مفردات لغوية, أو وسيلة تعبير تعتمد لغة بذاتها. فيما العولمة،في تعريفها الأكثر واقعية ودقة, تعني إحلال ثقافة واحدة مسيطرة محل الثقافات المتعددة . وهو ما أنتج جبهة واسعة لمعارضيها بين المثقفين،ودعا هيئات ثقافية دولية أن ترفع شعار: « لنحافظ على تنوعنا الخلاق «.‏

إن أهم ما عرفه زمن العولمة هو الثورة التقنية الهائلة في وسائل الاتصال،بدءاً من البث الفضائي التلفزيوني،وصولاً إلى شبكات الانترنيت. و هي ثورة تتيح إمكانية غير مسبوقة للتبادل الثقافي،و التعرف على الإبداعات الفنية لشعوب العالم . غير أن هذا يظل افتراضاً نظرياً في ظل التباين الهائل في الإمكانيات المادية بين دول العالم, و خضوع القسم الأعظم من تلك الوسائل إلى سيطرة مراكز القوة الاقتصادية و السياسية فيه. و بالتالي فإن تدفق المعارف الثقافية و الإبداعات الفنية تأخذ – إلا فيما ندر – درباً وحيداً يتجه من المجتمعات الأقوى و الأغنى والأكثر سيطرة على وسائل الاتصال،إلى المجتمعات الأخرى . و عليه لا تفقد المجتمعات الأضعف قدرتها على المساهمة في استكمال صورة الثقافة العالمية فحسب, و إنما قد تغيب كلياً عن الصورة بحيث تبدو النتاجات الإبداعية للبشرية،بما فيها تلك التي تنتمي إلى العصور السابقة،و كأنها تختص ببعض المجتمعات دون سواها من المجتمعات الإنسانية .‏

وإذا كان مثل هذا الأمر يلتقي مع المصالح السياسية والاقتصادية للمجتمعات الأقوى, فإنه يتعارض مع فكرة غنى وتنوع الثقافة الإنسانية , إلى حد إلغاء أجزاء هامة من تراثها . والأمر هنا لا يقتصر على تزييف نسب هذا التراث كما حصل في غير مكان من عالمنا (فلسطين مثلاً)، وإنما يعني الدلالة الحرفية لكلمة إلغاء, و هو فعل يحدث بأشكال مختلفة لم تعد تعتمد على السيطرة السياسية والعسكرية المباشرة , وإنما صار حدوثها ممكناً و شائعاً بحكم التأثير المتنامي و اللا محدود لوسائل الإعلام في تغيير المفاهيم والثقافات،بحيث تتجه مجتمعات نحو نموذج ثقافي واحد متخلية عن خصوصيتها،و عن محاولات تطوير هذه الخصوصية , في حركة لا تبدو انفتاحاً على العصر والثقافات الأخرى، بقدر ما تبدو إلغاءً لبعض الملامح الأصيلة التي تترجم تاريخاً طويلاً وثرياً من التطور الإبداعي والحضاري، والتناغم بين الإنسان ومحيطه, خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار العلاقة بين مشاهدات الإنسان الأولى وتكوّن ذاكرته البصرية ومن ثم ثقافته وفلسفته الجمالية. وقد كانت تلك المشاهدات تنهل من نبعين أساسيين: أولهما البيئة الطبيعية المحيطة به , وثانيهما الحياة الاجتماعية،متضمنة ترجمة الأسلاف البصرية لما رأوه وتخيلوه..‏

وللمفاهيم والمعتقدات والأساطير .‏

WWW.facebook.com/saad.alkassem‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية