|
استراحة لماذا اعتبر السابع عشر من نيسان عيدا للجلاء مع أن قوات الاحتلال رحلت قبل هذا التاريخ؟ ولماذا سمي (عيد الجلاء) ولم يطلق عليه (عيد الاستقلال) حسب التعبير الدارج في دول العالم؟ لقد تم جلاء القوات الأجنبية عن سورية في الخامس عشر من نيسان عام 1946، ورأت الحكومة أن يجري الاحتفال الرسمي يومي الخميس والجمعة 19 و20 نيسان ليتسنى لكبار الضيوف من الشخصيات العربية الوصول إلى دمشق والمشاركة فيه. شيء مهم يتعلق بهذا التاريخ جعل الحكومة تعود عن قرارها وتعلن السابع عشر من نيسان موعدا للاحتفال، وهو ما يذكره الدكتور جورج جبور في مقالة له عن هذا الموضوع بالذات، فيذكر أن الحكومتين البريطانية والفرنسية أبلغتا الحكومة الوطنية السورية إن إكمال جلاء قواتهما المعسكرة في سورية سيكون في الساعة العاشرة من صباح الاثنين الخامس عشر من نيسان 1946. ورأت الحكومة السورية أن العيد الوطني السوري ينبغي أن يكون يوم الخميس الثامن عشر من نيسان أي بعد ثلاثة أيام من استكمال خروج القوات الأجنبية،لكي تتخذ الترتيبات الضروريّة للاحتفال، وينبغي أن يتبعه يوم احتفالي ثان الجمعة وهو يوم عطلة أسبوعية. ويضيف جبور: ان الجرائد السورية الصادرة صباح يوم الخميس 11/ 4 /1946 نشرت برنامج الاحتفال، وحين نشر القرار ثارت موجة احتجاج لدى المسيحيين لأن الأحد الأول بعد التاريخ المعلن للاحتفال سيكون عيد الفصح المجيد، ويسبقه يوم الجمعة العظيمة الذي يدعى يوم الجمعة الحزينة، وبحسب المعتقدات المسيحيّة تم في يوم الجمعة العظيمة صلب السيد المسيح ما أصاب المؤمنين به بحزن عظيم، وحين نشر قرار الحكومة السورية الاحتفال بالجلاء يومي الخميس والجمعة في 18 و19 نيسان ثارت موجة احتجاج لدى مسيحيّي سورية كافة، واستجابة لهذه المطالب تم تقديم موعد الاحتفال إلى السابع عشر من نيسان. وقد شملت الاحتفالات آنذاك كل أنحاء سورية، وكان الاحتفال الأكبر في العاصمة دمشق التي شهدت عرضا عسكريا، وأقيم حفل للقيادات العسكرية العربية التي جاءت للمشاركة بالاحتفال في نادي الضباط الذي لا يزال قائما في الصالحية بجانب البرلمان. وشهدت دمشق جموعا غفيرة من المواطنين وامتدت الحشود الجماهيرية من شارع النصر ومحطة الحجاز حتى ساحة جسر فكتوريا وحديقتي (المنشية) مقابل المتحف الوطني و(الجلاء) أمام مدرسة التجهيز الأولى، وجرى العرض العسكري في شارع بيروت. أما عن تسمية السابع عشر من نيسان بعيد الجلاء وليس الاستقلال، فالسبب أنه سبق إعلان الاستقلال سورية أربع مرات بعد رحيل العثمانيين. وكان الإعلان الأول في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1919 بقرار من المؤتمر السوري العام ( البرلمان )، و الثاني في الثامن من آذار عام 1920 مؤكدا من ذات المؤتمر، وأعلن فيه مبايعة فيصل بن الحسين ملكا على سورية، و لم يدم هذا الاستقلال طويلا، فقد دخلت قوات الانتداب الفرنسي دمشق في تموز 1920بعد معركة ميسلون. والثالث كان اعترافاً شفهياً من فرنسا باستقلال سورية في عام 1936، بعد الإضراب الستيني، حيث استطاع الزعماء الوطنيون عقد معاهدة مع فرنسا،و جرى التوقيع على المعاهدة دمشق في 22 كانون الأول من قبل شكري القوتلي وجميل مردم بك وسعد الله الجابري عن الجانب السوري والمفوض الفرنسي دو مارتيل عن الجانب الفرنسي . وكان الإعلان الرابع للاستقلال في الثامن من حزيران 1941 بعد دخول القوات البريطانية والفرنسية التابعة لحكومة فرنسا الحرة بعد طرد قوات فيشي الموالية للألمان، وأكد كاترو على إعلان الاستقلال في 28 حزيران، واعترفت آنذاك خمس دول باستقلال سورية وهي مصر والسعودية وبريطانيا وبلجيكا واليونان. ولكن لم تستقر الأمور بيد الحكومة السورية إلا بعد انتخابات نيابية وانتخاب شكري القوتلي رئيسا في السابع عشر من آب 1943، ولم تستلم الحكومة الإدارات المدنية إلا في أول عام 1944. وقد حاولت بريطانيا وفرنسا إفراغ استقلال سورية من مضمونه، ما أدى إلى ثورة شعبية شملت مختلف أنحاء سورية،وقدم السوريون آلاف الشهداء وتصاعدت المقاومة وكثر الشهداء والجرحى، وعلى أثر ذلك اتخذ مجلس الأمن الدولي في 16 شباط 1946 قرارا بجلاء القوات الأجنبية عن سورية بأسرع وقت ممكن، ورحل آخر جندي أجنبي من محطة رياق في الخامس عشر من نيسان 1946 . ما يجدر ذكره أن القوى الوطنية حررت أغلب المناطق قبل قرار مجلس الأمن، وحسب كتاب كفاح الشعب السوري لإحسان هندي قام محافظ حماة بإعلان النصر يوم السبت 2 حزيران 1945، كما تم طرد جنود الاحتلال أغلب المحافظات السورية في نفس العام. ولا يزال أمام ناظرينا شاهد عيان، إذ نقرأ لوحة فوق مدخل كلية الحقوق بجامعة دمشق تؤرخ لدخول القوى الوطنية إلى الجامعة جاء فيها ( ثأر وقعة ميسلون.. ذكرى دخول القوات السورية 22 تموز 1945). |
|