|
شؤون سياسية ولكن ما يميز نضال الشعب السوري هو قدرته على الصمود والمقاومة في الوقت الذي يكون فيه المستعمر في ذروة جبروته وتسلطه إضافة لكون هذا النضال يمثل فاتحة للنضال الوطني والقومي العربي وملهما للفكر والثورات التحررية فيه وتمثل حقبة النضال ضد الانتداب الفرنسي مثالاً للنضال في سبيل الحصول على الحقوق وحماية المقدسات والكرامة والأرض من رجس المستعمر وسفراً مضيئاً في سجل المقاومة المتواصل للشعب السوري ورفضه لكل أشكال الوصاية والإملاءات الخارجية، فما إن قرر المستعمر الفرنسي احتلال الأراضي السورية حتى تعالت همم الرجال بقيادة وزير الدفاع آنذاك يوسف العظمة لملاقاتهم في ميسلون على الرغم من معرفتهم المسبقة بأن العدو يتفوق عليهم في العتاد والرجال والإمكانيات ولكن كان لا بد من تقديم قربان الدم والحياة لهذه الأرض المعطاء ولتثبت أن الإرادة هي أعتى من قوة الجيوش وجبروتها والتي تبرر الغزو والاحتلال بحجج واهية, ففرنسا عام 1920 لم تأت إلى سورية لإصلاح البلاد وتطويرها وهي الحجة القديمة الجديدة لأشكال التدخل والاحتلال بل جاءت إلى سورية بموجب اتفاقية سايكس بيكو والتي اقتسمت فيها القوى الاستعمارية آنذاك مناطق النفوذ في المنطقة بهدف سرقة خيراتها وثرواتها البشرية والطبيعية وخدمة لأغراض التوسع والهيمنة والتي لا تزال سياسة ثابتة للقوى الوطنية في كل زمان ومكان. ولقد أدرك السوريون هذه الحقيقة فكان ردهم الطبيعي هو رفضهم القاطع لكل أشكال التدخل والعدوان وتحت أي مسميات فاندلعت الثورات في كل أنحاء البلاد بدءاً بالساحل السوري وثورة مجاهده الكبير صالح العلي الذي رفض الاملاءات الفرنسية معتبراً وجود القوات الأجنبية على أرض الوطن حالة مؤقتة يجب العمل على زوالها بكل أشكال الكفاح والنضال حاله كحال الثائر ابراهيم هنانو الذي فجر ثورة الشمال التي أكدت اللحمة الوطنية المتميزة واكتملت من خلال الثورات التي شهدتها الغوطة وحوران. ومع تصاعد الرفض الشعبي للوجود الأجنبي اندلعت ثورة المجاهد الكبير سلطان باشا الأطرش في جبل العرب عام 1925 والتي أذاقت المستعمر طعم الخسارات المتتالية ولتمتد الثورة السورية الكبرى وتشمل معظم الأرجاء السورية وعلى مدى عامين متواصلين ولتثبت للمستعمر أن إرادة الشعوب أقوى من أي جبروت عسكري في العالم. ومن خلال هذه الثورات المتواصلة لم تتكبد فرنسا الخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات فقط بل لم تستطع أن تفرض النموذج الذي أرادت قولبة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للسوريين عليه خدمة لمصالحها وأهدافها التوسعية والتقسيمية، وهو الأمر نفسه الذي تحاول فرضه حالياً الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة وهو خلق التكوين الذي يخدم أغراضها على المدى الطويل بغض النظر عن تطلعات وآمال ومصالح أبناء هذه المنطقة كما ساهم الكفاح الوطني التحرري بتوحيد رؤى السوريين وتعزيزها لإدراكهم أن وحدة المصير والهدف والرابطة المشتركة هو ما يجمعهم ويجعلهم أقوياء في نظر العالم، فليس غريباً أن ينتقل قسم كبير من رجالات الثورة إلى جبل العرب للمشاركة في أحداث الثورة السورية الكبرى التي دارت رحاها طاحنة الأخضر واليابس في طريق قوات الاحتلال التي عاد واعترف جنرالاتها لتبرير الهزيمة بأنهم التقوا في الأرض السورية مع أشد المقاتلين بأسا على وجه الأرض. فالجلاء الذي اكتمل في صبيحة السابع عشر من نيسان عام 1946 لم يأت محض المصادفة أو لأن فرنسا حققت غايتها التي احتلت سورية من أجلها بل إنه أتى نتيجة المحصلة التراكمية لنضال الشعب السوري بكل أطيافه وعلى مختلف بقاع الوطن. وما يثبت في ذاكرتنا من نضالات الآباء والأجداد هو تلك القيم والإباء والرجولة والإرادة التي اعتنقوها ديناً ومنهجاً لمواجهة المستعمر والتي استمرت وضاءة متقدة على مدى الأجيال ولتثبت أن المقاومة هي الطريق الوحيد لنيل الحقوق من مستعمر لا يفهم غير لغة القوة وهو ما حاولت سورية تثبيته وتعزيزه لدى أبناء الشعب العربي برمته وخاصة بعد قيام الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد والتي يستمر في حمل رايتها الوضاءة الرئيس الدكتور بشار الأسد الذي أكد على الدوام أن الحق الذي لا يعطى يجب أن ينتزع وأن السلام مرهون مع القوة وأن من لا يحترم نفسه لا يحترمه العالم فهنيئاً لسورية بتاريخها المقاوم والذي يستمر متقداً وملهماً للشعوب الأخرى والعالم عبر قادتها الكبار الذين أثبتوا أن المقاومة في جنوب لبنان وفي غزة الصامدة هي ما يجب أن يكون عليه كل العرب في سبيل سعيهم إلى إعادة حقوقهم المسلوبة. فالجلاء لن يكتمل ما دامت هناك أجزاء عربية مغتصبة وبذلك تكتمل فرحته وزهوته وسيستعيد المواطن العربي ثقته بنفسه وبمصيره. |
|