تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ملحمة خالـدة صنعها شـعبنا

شؤون سياسية
الجمعة 17-4-2009
د.صياح عزام

تحتفل جماهير شعبنا يوم السابع عشر من نيسان من كل عام بذكرى عزيزة على قلوبنا جميعاً، هي ذكرى جلاء آخر جندي عن ربوع وطننا الحبيب،

حيث جلا آخر جندي فرنسي عن سورية يوم /15/ نيسان 1946، وفي السابع عشر من نيسان أقيم احتفال رسمي بهذه المناسبة حضرته جماهير غفيرة من المواطنين. إلى جانب مشاركة بعض الوفود من الدول العربية والشقيقة وأصبح هذا اليوم عيداً للاستقلال.‏

إن هذا الجلاء كان ثمرة كفاح طويل خاضته جماهير شعبنا ضد المستعمر الفرنسي على الصعيدين العسكري والسياسي. على الصعيد العسكري كانت الثورات المسلحة التي شملت جميع أنحاء سورية، وكان أهمها ثورة /الشيخ صالح العلي/ في الساحل السوري والتي أعلن عن قيامها ضد الفرنسيين منذ أن احتلوا طرطوس في عام 1918 ومن أبرز المعارك التي خاضها ضد قوات الاحتلال الفرنسي معركتا الشيخ بدر الأولى والثانية وغيرهما. وقد حكمت عليه السلطات الفرنسية بالإعدام، ثم عفت عنه على أمل أن يمتنع عن القتال، ولكن دون جدوى، حيث لم يلق السلاح حتى آخر لحظة. وكان رحمه الله من أذكى القادة وأفطنهم في فنون القتال وعمليات الكر والفر.‏

وفي الشمال، قامت ثورة الزعيم ابراهيم هنانو في أيلول 1920، حيث أذاع بياناًً دعا فيه إلى الثورة والمقاومة، وتعاون مع المرحوم الشيخ البطل صالح العلي إذ كانا يلتقيان للتشاور والتنسيق في مجال مقاومة الفرنسيين.‏

ثم امتدت الثورات لتشمل محافظات ومناطق إدلب، ودير الزور، والرقة، وكفر تخاريم، والمعرة، وحمص وحماة وتدمر والنبك والقلمون وتلكلخ. وفي دمشق قامت الثورات في المدينة، وفي غوطة دمشق، ومدت يد العون للمجاهدين والثوار في جبل العرب، حيث قامت هناك الثورة السورية الكبرى بقيادة المرحوم سلطان باشا الأطرش، والتي كان من أبرز معاركها معركة المزرعة التي تكبد فيها الفرنسيون /1000/ قتيل وتركوا أسلحتهم التي غنمها الثوار وهرب الجنرال /غورو/ متخفياً بدبابة إلى إزرع في محافظة /درعا/. وهكذا لم تخل بقعة من أراضي سورية من الثورات والمقاومة المسلحة، لاشك أن تلك المعارك المسلحة كانت لها نتائج إيجابية كبيرة، حيث أدت إلى زيادة النقمة على الاستعمار، وبروز الوطنية الحقة بأبهى أشكالها دفاعاً عن الوطن، وعززت اللحمة والترابط بين السوريين، وأكدت أن الحرية لا تنال إلا بالدم والتضحيات، وبالتالي، أجبرت الفرنسيين على تعيين مفوضين مدنيين عوضاً عن الحكام العسكريين في محاولة لاسترضاء الشعب.‏

وبعد هذه الثورات تواصلت الاعتصامات والاحتجاجات ضد الاحتلال، الأمر الذي اضطرت معه فرنسا بعد هذه الثورات المسلحة وبعد النضال السياسي إلى الجلاء عن سورية كما أشرنا في بداية الحديث.‏

وهكذا اتضح للجميع أن شجرة الحرية التي بسطت ظلالها في سورية بعد الاستقلال لم تأت من فراغ، بل غرسها الثوار والشهداء بأيديهم، وسقوها من دمائهم. وهنا نشير إلى أن أحد الجنرالات الفرنسيين الذين كانوا في سورية اعترف بكثرة الثورات التي شهدتها سورية ضد الفرنسيين وهو الجنرال /ويغاند/ الذي قال في أحد كتبه «لقد شهدت في أثناء وجودي في سورية ثلاثمئة ثورة».‏

إذاً، فالجلاء ملحمة حقيقية صنعها مناضلون ومجاهدون وشهداء أبطال بأبسط الأسلحة، ولكن بعزيمة قوية، وببطولات نادرة. بثت الرعب واليأس في قلوب ونفوس رجال الاستعمار الفرنسي وعملائهم، فلولا الثورات ولولا المقاومة لما رحل المستعمرون عن أرض الوطن.‏

وهنا لابد من الإشارة إلى ناحية مهمة وهي أن رجالات ومجاهدي الثورة ضد الفرنسيين تم تكريمهم من قبل القائد الخالد حافظ الأسد، عندما منحهم ومنح ذويهم رواتب تقاعدية شهرية، إلى جانب أنه -رحمه الله- كان يذكرهم في كل مناسبة، مشيراً إلى بطولاتهم وجهودهم في صنع الاستقلال الذي ننعم به الآن. أما الشهداء فقد لاقوا من التكريم ما يستحقونه مادياً ومعنوياً، من خلال منحهم مساكن مجانية تسلم لذويهم وأبنائهم ، فضلاً عن مدارس أبناء الشهداء التي تعتني بتعليم هؤلاء في جميع المراحل مجاناً أيضاً، في الوقت نفسه تابع السيد الرئيس بشار الأسد هذا التكريم وعززه أكثر عبر مكاسب متعددة مادية ومعنوية، إضافة إلى لقاءاته السنوية الدورية بأبناء وبنات الشهداء في مدارسهم للإطلاع على أحوالهم عن كثب وتقديم كل ما يحتاجون إليه. إن الرعاية الكريمة للشهادة والشهداء هي التي كرست مفهوم الشهادة وعززته في النفوس، وهي التي شكلت الأرضية المناسبة لبروز المقاومة للعدوان، سواء كان ذلك في لبنان، أو في فلسطين، أو في العراق وغيرها من الأماكن فالمقاومة التي دعمتها سورية انتصرت على إسرائيل، عندما دحرتها من الجنوب اللبناني عام 2000 وهزمتها عام 2006 والمقاومة الفلسطينية أصبحت رقماً لا يمكن تجاهله ولا نبالغ عندما نقول إنها غيرت الموازين والمعادلات في المنطقة حرب غزة الأخيرة أكبر شاهد على ذلك، الأمر الذي يؤكد أن روح التضحية والفداء التي صنعت في الجلاء ترسخت قيماً وتقاليد نضالية، وهي تظهر الآن في الممانعة القوية التي تجسدها سورية في وجه المشروع الأميركي الصهيوني للهيمنة على المنطقة العربية، هذه الممانعة التي أفشلت هذا المشروع والتي أكدت فاعليتها وجدواها.‏

إن ذكرى الجلاء ستكون حافزاً لجماهير شعبنا على مزيد من الالتفاف حول مواقف السيد الرئيس بشار الأسد الذي يجسد تطلعاتها نحو تحرير كل شبر من التراب العربي في فلسطين والجولان ولبنان، كما يجسد إرادتها الحرة الرافضة لكل الإملاءات الخارجية. وقد أكد سيادته ويؤكد باستمرار إصرار شعبنا على استعادة الجولان كاملاً غير منقوص، موضحاً أن الأرض أو الحقوق هي خارج دائرة أي مساومة وأن الجلاء الأكبر عن كل شبر من الأراضي العربية المحتلة قادم مهما طال الزمن، ومهما غلت التضحيات.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية