تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بين الطفولة والبطولة

معاً على الطريق
الجمعة 17-4-2009م
قمركيلاني

لعل الاحتفالات بقدوم الربيع متجذرة في منطقتنا منذ أزمان وأزمان.. ومتناثرة فيها في كل مكان..

من النيروز إلى أيام الربيع في الرافدين إلى شم النسيم في مصر إلى الزهو بالربيع في السودان بين النيلين الخ... والمصريون يحتفلون بيوم واحد محدد لا يتغير ولا يتبدل.. يهب فيه الناس جميعا في صباح مشرق إلى كل ما يسر القلوب للصغار والكبار ولو فرغت الجيوب.‏

وأنا في هذه الساحة الكبيرة لمسجد كبير بحديقة لا أزهى ولا أبهى تطير روحي إلى غوطة دمشق حيث مراتع طفولتي وتفتح عيني على الأبيض المضيء في عروق الأغصان المزهرة.. وإلى الأرض بأزهار الربيع من كل عطر ولون, وماذا في أن أكون هنا أو هناك وأنا في وطني الممتد من الماء إلى الماء.. والخير والجمال والبهاء يمتد فيه بين أرض وسماء؟‏

أطفال كثر يصخبون ويمرحون ويزعقون ويتبادلون الحلوى أكثر من الكلام.. ويميلون على أهاليهم وهم يقدمون لهم ما اختصر من الطعام, وفجأة يتجمعون حول فتى يضع على رأسه الكوفية الفلسطينية.. ويقف بينهم مثل خطيب في جمهوره.. وأكاد لا أصدق كيف صمت كل هؤلاء الصغار فجأة ليستمعوا إلى ما يعلنه بوهج وحماسة كما لو أن المشهد حقيقي لزعيم ما.. اقتربت منه فاستنكر ذلك ثم سألني: من أين أنت؟ وهو يظنني أجنبية, فقلت له: أنا مثلك عربية وها أنا أتكلم لغتك.. من أين أنت؟ قال: أنا من غزة.. جاءت بقية أسرتي إلى هنا بعد الذي حل بنا من تهديم وتهجير وقتل ومرض, فتفجرت لدي من جديد الفواجع والمواجع, فقلت له: أنت بطل, رشقني بنظرة عاتبة ثم قال: لا.. أنا رئيس وقبل أن أقول له ماذا تعني برئيس؟ لمح ضحكة تكاد تنفجر في فقال: سأكون رئيس حزب, قلت له: سررت أنك ستغدو بطلا.. طيارا أو بحارا وربما عالما أو مدرسا.. والبطولة ليست في القتال فقط, فبدا الارتياح عليه فسألته: وما هذا الحزب؟ قال: سأسميه حزب العرب.. وكل رفاقي ومن أتعرف إليهم يعاهدونني على أن يكونوا في هذا الحزب, شعرت بندى الارتياح وبوارق الأمل من هذا الصغير الكبير.. وتذكرت طفولتنا التي فاضت بقضايانا العربية وأولها فلسطين حتى ظننت مرة ونساء حي العمارة يبكين على شهداء ثورة فلسطين الأولى قبل النكبة أن فلسطين هي إحدى بنات الرسول(ص) أو من آل البيت.‏

وها هي الأعمار تمضي بنا نحو التدهور والخراب والدمار.. فما الذي يجري؟ وبسكين حادة من الإرادة الجادة أقطع حبل أفكاري.. وابتسم للفتى الصغير.. وأنا أحلم أن أرى يوما ما المارد العربي يخرج من القمقم.. فهل هذه الأجيال المزدهرة كالشجر ستحقق الأمل طال العمر أو قصر؟ أما عندما سألني الفتى: لماذا تقولون إقامة دولة فلسطين وفلسطين موجودة قبل إسرائيل هذه؟ شعرت بالحيرة والارتباك.. وعدت إلى ذلك القرار المشؤوم والموشوم بعار البشرية وهو إعلان دولة إسرائيل وإلغاء دولة فلسطين, وتمتد أفكاري إلى المرحلة برمتها منذ الأربعينيات حتى هذه اللحظة, وإذ تتساقط الحدود بين الطفولة والبطولة يغدو كل إنسان على هذه الأرض جمرة من نار، لا يقبل الذل والعار.. ويسعى إلى السلام والأمن والاستقرار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية