|
على الملأ إلا أن حالة الهروب والتهرب مستمرة ، وربما لا نجد حاجة للبحث في حجم هذه الحالة «الظاهرة» طالما أنها موجودة ، لكن في المقابل هناك حاجة حقيقية للبحث في أسباب وجودها واستمرارها ، وفي الأسباب التي تدفع صاحب العمل لممارستها ، رغم معرفته بأنها مخالفة صريحة لقوانين العمل والتأمينات. وإذا كان لا يخفى على أحد من المهتمين والمعنيين أن النتائج المترتبة على استمرار هذه الحالة هي على درجة كبيرة من التشابك والتداخل بين الإنساني والاجتماعي والجزائي والاقتصادي والسياسي ، فإن على الجميع يقع واجب البحث في سبل إنهاء الحالة ومعالجتها صوناً للحقوق والواجبات المتعلقة بأطراف العمل؛ وترسيخاً للقيم التي ينبغي أن يحرص الجميع على حفظها وحمايتها. لن نحوّل الأمر برمته الى محاضرة في الأخلاق العامة ، ولن نستغرق ببيان المخاطر المعتملة بالمسألة رغم أهمية حضور الأخلاق فيها ، ورغم أهمية وحيوية أمر معالجة المخاطر المعتملة ، لكننا نحاول طرح بعض التساؤلات التي يعتقد أن التمكن من الإجابة عنها كفيل بحل المشكلة المزمنة والمستعصية على الحل. أول ما يجب طرحه من تساؤلات هو : لماذا يتهرب صاحب العمل من تسجيل العاملين لديه بنظام التأمينات الاجتماعية ؟ ! . وبمجرد أن يتم طرح هذا السؤال سواء من قبل المشرع أم من قبل السلطات التنفيذية فإن تساؤلات أخرى ستولد منه بالضرورة ، ذلك أنه لا يمكن أن يتطابق أصحاب العمل في نمط التفكير وفي الذهنية الشريرة وفي خلفية قبول ممارسة ظلم الآخرين ، فضلاً عن قبول مخالفة القوانين والنواميس الأخلاقية مقابل كسب أو توفير حفنة من المال. وإذا بالاستنتاج قد يكون هناك ما يسوغ -للجزء أو الكل- ارتكاب فعل الظلم والمخالفة ، وقد تكون المسوغات على علاقة بالقوانين التي لا تبيّن بوضوح الحقوق والواجبات (مثلاً)، وقد تكون مرتبطة بمفاهيم العمل التي استمدت منها القوانين ذاتها ، وقد تكون على صلة باعتقاد البعض بأن القوانين منحازة دائماً للعامل على حساب صاحب العمل، وقد تكون نشأت على خلفية الاعتقاد بارتفاع قيمة الرسم التأميني المطلوب سداده ، وقد يسوقها البعض بحجة أنه لا تجوز المساواة بين كل العاملين؛ متذرعين بوجود أعمال خطرة وأخرى أقل خطراً منها وبالتالي لا بد من أنظمة وقوانين تراعي طبيعة هذه الأعمال. هذا بالضبط ما أردنا الإشارة إليه ، فهل تحمل أنظمة التأمينات الحالية حلولاً لكل هذه الحالات ، وهل تجيب على التساؤلات التي يمكن استيلادها منها، وهل يلحظ المشرّع ضرورة إشراك العامل وصاحب العمل في صياغة ووضع هذه الأنظمة والقوانين ، ثم هل وقف المشرّع مرة على حقيقة الأسباب التي دفعت أو تدفع العامل إلى قبول عدم تسجيله بنظام التأمينات، وهل تنطوي على جهل العامل أم على تنازلات لا يملك من خيارات إلا أن يقدمها أم إنه شريك كامل بحالة الفساد وركن أساسي فيها الى جانب صاحب العمل ؟ !. يعتقد أن التشريعات الإلهية وحدها التامة ، الكاملة المكتملة ، غير أن ذلك لا يعفي المشرّع من مهمة البحث المستمر بهدف تطوير التشريعات والقوانين الوضعية ، وقد توفر الظروف الاستثنائية الحالية التي يمر بها وطننا السوري حوافز إضافية للبحث عن صيغة قانونية منصفة لأطراف العمل مجتمعة في ظل توقف الكثير من المصالح والمنشآت والمعامل عن العمل بسبب الأعمال الإرهابية التي طالت مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية. |
|