|
صفحة ساخرة وقد انتشرت عنه صورة قاتمة بشعة بعد الكتاب الذي وضعه عنه ابن مماتي بعنوان ( الفاشوش في حكم قراقوش) وفيه انتحل حكايات فظيعة في ظلمها نسبها جميعا إلى قراقوش وقد تصدت بعض الاقلام النبيلة للدفاع عن هذا الرجل العظيم الذي اعتمد عليه صلاح الدين الأيوبي اعتمادا كبيرا وكان مهندسا وقائدا عسكريا وبينها مقالة للدكتورة منى الياس ظهرت في صحيفة تشرين بتاريخ 6/1/.2005 وسوف أقدم بعض حكايات ابن مماتي كما عرضها في كتابه ( الفاشوش) مع المقدمة التي قدم بها الكتاب ولكني قبل ذلك أريد أن أشير إلى ما كتبته د. الياس وفيه تقول: قراقوش شخصية ذاعت شهرتها في ارجاء العالم العربي طولا وعرضا واتصفت بالظلم والتخبط في اصدار الاحكام والأوامر الشاذة المضحكة حتى أصبحت مضربا للأمثال في السفه والتسلط واستقرت صورته على مر العصور في ذهن الناس على هذه الصورة فهل كان فعلا هكذا? وما مدى صحة الحكايات التي تروى عنه? يقول ابن خلكان في وفيات الأعيان (ج3 ص55) قراقوش بفتح القاف والراء لفظ تركي مؤلف من قره بمعنى أسود وقوش بمعنى نسر وتعني النسر الأسود وبه سمي الإنسان. ولد قراقوش في قرية من قرى آسيا الصغرى وكان مملوكا لكنه استطاع الفرار حتى وصل إلى بلاد الشام وتوصل بفضل حنكته ودهائه إلى معرفة القائد أسد الدين شيركوه فاكتشف هذا في قراقوش الذكاء والشجاعة فجعله في حاشيته وشرع يدربه على فنون الفروسية والقتال وتسمى في دمشق باسم ( بهاء الدين بن عبد الله الأسدي) وظل قراقوش يتقدم ويرتقي في مراتب الجيش حتى وصل إلى مرتبة الإمارة وشهد انهيار الدولة الفاطمية وقيام الدولة الايوبية فقربه صلاح الدين وعينه نائبا عنه في مصر وفوض أمورها إليه واعتمد عليه كلياً في تدبير أمورها وأحوالها وكانت وفاته في مستهل رجب سنة سبع وتسعين وخمسمائة في القاهرة ودفن في تربته المعروفة بسفح المقطم وذكرت كتب التاريخ كثيرا من الأعمال التي تبرهن على حكمته وحنكته في الأمور السياسية والحربية وكلها تناقض وتخالف اختلافا كبيرا ماشاع عنه من التخبط واصدار الأوامر المتناقضة حتى اصبحت احكامه مضرب الأمثال في الشذوذ والسفه ويقول عنه ابن خلكان في ( وفيات الأعيان) (ص254):(كان قراقوش رجلا مسعودا وصاحب همة عالية بنى سور القاهرة وقلعة الجبل والقناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام وهي آثار تدل على علو الهمة وعمر بالمقس رباطا وعلى باب الفتوح بظاهر القاهرة خان سبيل وله وقف كثير لايعرف مصرفه وكان حسن المقاصد جميل النية). وقد وصل قراقوش إلى مراتب عالية جدا فقد استطاع أن يحمي عرش العزيز بن صلاح الدين عندما ناب عنه في حكم مصر وقضى على الفتن التي حاولت زعزعة الحكم الأيوبي وعندما مات العزيز اوصى بالملك من بعده لابنه منصور وكان صبيا في التاسعة من عمره فأوصى العزيز أن يكون قراقوش وصيا على عرشه فقام بهذه المهمة على خير وجه. لعل هذا الاستعراض السريع لسيرة قراقوش يوضح بعضا من الظلم الذي لحق بهذه الشخصية التاريخية فغير ملامحها وصفاتها حتى غدت على النقيض مما هي عليه في الواقع وقد يذهل المرء حين يكتشف أن وراء ذلك أديبا اسمه ( ابن مماتي) دفعه حقده وبغضه على (قراقوش) أن يسخر قلمه لتشويه صورته. كتاب الفاشوش في حكم قراقوش أول هذا الكتاب قول ابن مماتي: ( انني لما رأيت عقل بهاء الدين قراقوش محزمة فاشوش قد أتلف الأمة والله يكشف عنهم كل غمة لا يقتدي بعالم ولا يعرف المظلوم من الظالم الشكية عنده لمن سبق ولا يهتدي لمن صدق ولا يقدر أحد من عظم منزلته على أن يرد كلمته ويشتاط اشتياط الشيطان ويحكم حكما ما انزل الله به من سلطان صنفت هذا الكتاب لصلاح الدين عسى أن يريح منه المسلمين). ثم ساق الكاتب القبطي الأديب ما أراد سوقه من الحكايات الدالة على ذلك ومنها ما يأتي. الفاشوش الأحق وأشغش الرجل ضعف عقله وأفرط في الكذب والادعاء ومحزمة على وزن مكنسة ما يحزم به والمعنى أن عقل قراقوش لا يحتوي على أكثر من الحمق والغباوة والعته والجنون.. الخ. الحكاية الأولى كان قراقوش رجلا صقلبيا يميل إلى البيض ويكره السود واضطرته الظروف في يوم ما إلى الحكم بين امرأة حجازية وجارية لها تركية وكانت هذه أول مرة يحكم فيها. قالت الحجازية لقراقوش: إن هذه جاريتي قد أساءت الأدب علي. فنظر قراقوش إلى بياض الجارية التركية وسواد الحجازية فقال للحجازية: ويلك! خلق الله جارية تركية لجارية سوداء حجازية ما أنا بأحمق أو مغفل ياعثمان ودوا هذه الحجازية الحجرة. فمكثت الحجازية شهرا وما لبثت أن عادت اليه تقول: إنني قد اعتقتها لوجه الله تعالى. فقال لها قراقوش:يا سبحان الله انها هي التي تعتقك فانك جاريتها وان ارادت ان تبيعك فإنها تبيعك وان ارادت عتقك فإنها تعتقك فقالت الحجازية للتركية: اعملي معي مثل ما عملت معك. فقال التركية: وما تريدين مني. فقالت الحجازية: اذهبي إلى قراقوش وقولي له أنك تعتقينني لوجه الله تعالى. فذهبت التركية إلى قراقوش وقالت له: قد عتقت سيدتي الحجازية لوجه الله تعالى. فقال قراقوش: جزاك الله خيرا. وخرجت الحجازية من السجن. الحكاية الثانية جاء إلى قراقوش ثلاثة رجال: أحدهم أمرد وليس له لحية ولا شارب والآخران كبيرا اللحيتين وقد تعدى الأمرد على كل منهما ونتف ذقنه من جذورها فذهب الرجلان إلى قراقوش وقالا له: يا مولانا بهاء الدين خذ لنا حقنا من هذا الأمرد فقد نتف ذقوننا وخرق ثيابنا. فنظر قراقوش إلى الأمرد وقال لصاحبيه: ويلكم نتفتم ذقن هذا الصبي وجئتم تشكونه الي ودوهما إلى الحبس ولا تخرجوهما حتى تطلع ذقن هذا الصبي. |
|