تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوعد الأميركي ووعد بلفور

متابعات سياسية
الثلاثاء 14-6-2016
عبد الرحمن غنيم

ربما سيمر وقت طويل قبل أن يعرف الناس في العالم بأن هناك وعداً أمريكياً أعطي لليهود الصهاينة على غرار وعد بلفور . فالفارق بين الوعدين أن وعد بلفور كان تصريحاً معلناً نشر فور صدوره ,

وذهبت به بريطانيا الى عصبة الأمم , أما الوعد الأميركي فلا يزال سرّاً من الأسرار التي تحتفظ بها الإدارة الأمريكية وتجتهد في إخفائها عن الناس , لأن الكشف عنه قد يفسد على أصحاب المخطط الذي يتضمنه الوعد فرصة تنفيذه .‏

ورغم أن ملامح الوعد الأميركي لإسرائيل أخذت تتكشف من خلال سياسات وممارسات إدارة أوباما , إلا أن المعطيات تؤكد انخراط إدارة بوش الابن في تنفيذ المخطط , كما أن المعطيات ترجح بأن الرئيس الأميركي القادم سيتابع هذا التنفيذ بغض النظر عن هويته . ولعل هجمات 11 أيلول كانت هي نقطة البداية في تنفيذ الوعد الأميركي للصهاينة . ولنتذكر ذلك اللقاء الذي عقد في شرم الشيخ , والذي راح فيه بوش يهذي بأنه مكلف من الله بتغيير من يشاء من قادة المنطقة , فقد بدأ بوش العملية بالفعل وراح أوباما يكملها . أما من كلفهما بهكذا أفعال فلا شك أنها الصهيونية العالمية المهيمنة على صناع القرار السياسي في واشنطن .‏

إن احتلال أفغانستان , ثم احتلال العراق , ثم استهداف لبنان بأشكال شتى , وصولاً الى محاولة نشر الفوضى في كامل المنطقة تحت مسمّى الربيع العربي , إن هي إلا مسالك تستهدف تمكين اليهود الصهاينة من تحقيق أطماعهم التوسعية بين الفرات والنيل . فإذا كان وعد بلفور يقف وراء قيام سلطات الانتداب البريطاني بتمكين اليهود الصهاينة من اغتصاب جزء من فلسطين عام 1948 , ثم محاولة توسيع نطاق السيطرة الصهيونية من خلال عدوان حزيران عام 1967 , فإن محاولات أميركا وكل من ينفذون أوامرها من أعراب وأغراب لنشر الفوضى في منطقتنا لا يمكن أن تفسر إلا على أساس واحد , وهي أنها تستهدف تمكين إسرائيل من تحقيق أحلامها التوسعية في المنطقة وإعادة رسم خريطة المنطقة . فتحت ذريعة « ضمان أمن إسرائيل « تعكف واشنطن على تنفيذ المخطط الرامي الى تمكين إسرائيل من التوسع . وهي عملياً تخوض حرب إسرائيل ضدنا , ولكن من خلال استثمار أدوات جديدة غير تقليدية في شن هذه الحرب من خلال الاعتماد على دور العصابات الإرهابية الوهابية ومن في حكمها .‏

لقد أدى وعد بلفور الى تمكين الصهاينة من إيجاد النواة , أما الوعد الأميركي المبذول للصهاينة , والذي يعكف الأميركي على إدارة تنفيذه , فإنه يرمي الى تمكينهم من تحقيق أقصى أطماعهم . وبعد أن اكتشف الأمريكي الأثمان الباهظة التي يمكن أن تترتب على الاحتلال العسكري المباشر للأرض , سواء كانت في حجم الخسائر البشرية أو حجم النفقات , وجد في استثمار الإرهابيين والمرتزقة بمختلف أنواعهم أدوات أنسب لتنفيذ مخططه الرامي الى إغراق المنطقة بالفوضى , وإثارة الصراعات المذهبية والطائفية والإثنية فيها , وجعل أبناء الأمتين العربية والإسلامية يقتل بعضهم بعضاً , واتخاذ هذه الفوضى مدخلا لتفتيت المنطقة وتقويض قدراتها الدفاعية , وبالتالي جعلها قابلة للاستباحة السهلة من قبل اليهود الصهاينة متى قرروا تنفيذ ما أطلقوا عليها مسبقاً تسمية « البطشة الكبرى « , لأنهم يريدونها بطشة كبرى بالفعل .‏

إن الأمر العجيب في سياق ما يحدث أن نرى أطرافاً عربية أو تعتبر نفسها إسلامية تنخرط في تنفيذ المخطط الأميركي الصهيوني انخراطاً كلياً , وكأنها لا ترى حقيقة ما يدبر للمنطقة . ومن هذه الأطراف قيادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية ذات الخلفية التكفيرية الوهابية التي تدعي أنها سلفية جهادية . فهؤلاء وأولئك لا يريدون رؤية الحقيقة الماثلة القائلة بأن الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمة هو الخطر الصهيوني المتربص بها والذي يسنده الأمريكي وكل أتباعه , وأن إشاعة الفوضى في المنطقة من شأنها أن تمكن الصهاينة من فرض إرادتهم عليها . ولن يكون بوسع العصابات الإرهابية التي تعتمد في تسليحها على الأعداء أن تواجه هؤلاء الأعداء متى قرروا الانقضاض عليها وإبادتها . وبالتالي , فإن أخطر سلاح يستخدمه الأمريكي وهو يسعى لتنفيذ وعده للصهاينة إنما هو سلاح الخداع والتضليل الذي يضع أمثال هذه القوى في وضعية من ينتحر في سبيل إسرائيل وليس في سبيل أي هدف آخر .‏

إن امتلاك القدرة على ممارسة التخريب ثم العجز عن إقامة البناء البديل يعني أن الجهد المبذول – ومهما كانت دوافعه – يندرج تحت عنوان « الإفساد في الأرض « ولا شيء غير ذلك . وهنا قد يتساءل البعض : وما هو الشرط الذي يمكن من يخرّب من إعادة البناء ؟. ونجيب ببساطة بأن هذا الشرط هو زوال الخطر الذي تمثله إسرائيل بزوال إسرائيل وبأن تكف أميركا عن التدخل لدعم إسرائيل , ذلك أنه طالما أن إسرائيل قائمة ومحمية وتتربص بنا الدوائر , فإن الأمر المنطقي هو أن تدفعنا نحو وضعية التمزق والضعف والعزلة دولياً لتنقض علينا . فمن يعتقد أنه يريد خدمة الأمة عليه أن يصوب سلاحه باتجاه العدو الصهيوني وداعميه لا أن ينخرط في سلوك يؤدي الى إضعاف الأمة والإجهاز عليها .‏

إن مجرد التفكير بحقيقة أن الممارسات الأمريكية الراهنة ضد بلادنا تتم في إطار وعد سري أمريكي معطى للصهاينة بتمكينهم منا يكفي للدلالة على أن كل من سار خلف أميركا أو اتبع سياسة تخدم سياستها إنما هو منخرط في تنفيذ الوعد الأميركي لإسرائيل بتمكينها من التوسع بين الفرات والنيل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية