|
معاً على الطريق وأمس، أي بعد يوم واحد من التبرئة الأميركية شبه الرسمية، قضى نحو ستين أميركيا وأصيب نحو ضعفهم في هجوم إرهابي نفذه أميركي من أصول أفغانية في أورلاندو الأميركية... ليس هذا هو الملفت ! في أعقاب الهجوم الإرهابي تشاغلت وكالات الأمن الأميركية ووسائل الإعلام ومعظم ردود الفعل الصادرة.. بما فيها السجال الذي دار بين الرئيس أوباما والمرشح ترامب، بتفاصيل العمل الإرهابي وبالبحث عن اسم المنفذ وقصص حياته وحياة عائلته وكم مرة ذهب إلى الحج وكم مرة إلى العمرة ومن هي التنظيمات التي يتبع لها رغم اعتراف داعش وتبنيها، ثم هل هو مضطرب نفسياً أم بيولوجياً أم اجتماعياً.. وكما لو أنه قطعة نادرة الوجود، أو استثناء لا مثيل له.. وليس هذا أيضاً هو الملفت في الأمر!! الملفت حقاً هو ذلك الغوص الملفت في تفاصيل أقل ما يقال فيها أنها باتت معروفة.. إذ ما الفرق في أن يكون هذا الأميركي من أصول أفغانية أو إفريقية أو جهنمية، وما الفرق بين أن يكون منتمياً لداعش أو القاعدة أو النصرة، وما الفرق أن يكون عازباً أو متزوجاً.. وأن له علاقة ما بزيد أو بعمر من هذا التنظيم أو ذاك، مضطرب أو صحيح نفسياً.. وهل يمكن أن يكون مثل هؤلاء أصحاء نفسياً بالأصل. والملفت الثاني هو ذلك التجاهل والتعامي الأميركي المتعمد لأصول الأفكار والتعاليم والمعارف التي يتلقاها مثل هؤلاء المجرمين، وعن مصدرها الأساسي الذي بات معروفاً حتى للعمي والخرس والطرش!؟ هذا ما يحدث بالضبط عند كل عمل إرهابي يقع في بلادهم، وحتى لو كان مواطنوهم هم الضحايا، يدخلون الناس في تفاصيل التفاصيل، فمن سرداب إلى آخر ومن متاهة إلى أخرى، كي لا يفقدوا مصداقيتهم أولاً وكي يظلوا ممسكين بالحدث ساخناً إلى أن يبرد ثانياً... لكن، دون أن يكشفوا عن الفكر المؤسس لهذا الحدث الإرهابي ولغيره، وعن كون الإرهاب أفكاراً لا أشخاصاً بعينهم، وبهذا يحققون هدفين: الأول: مواصلة توظيف الإرهاب واستخدامه لمصالحهم في ما وراء البحار، وتحاشي غضبة شعوبهم بادعاء الحرب عليه وملاحقته. والثاني: إبعاد الشبهة عن المصادر الأساسية المؤسسة للإرهاب، أي عن السعودية وشقيقاتها الخليجيات، وعن تمويلاتها الهائلة لهذا الإرهاب حول العالم.. وعن إرسالياتها من المفتين والدعاة المتأبطين الوهابية التكفيرية، والمدججين بالحقد على الآخر واحتقاره والتحريض ضده ؟ لاحظوا كيف أن الأنظمة الأكثر توحشاً في رأسماليتها وجشعها هي التي تستخدم التضليل والتعمية والاستغراق في تفاصيل التفاصيل وحيث تكمن كل شياطين الأرض، وهي الأكثر تباكياً من الإرهاب وداعاً للحرب عليه، بل إنها الشياطين عينها.. والتفاصيل أوكارها؟؟ |
|