|
الافتتاحية وهي مزنرة بمجموعة من المفخخات الإضافية المسندة إلى مراكز البحوث والدراسات التي جهزت أرقامها تبعاً لوجهتها السياسية، أو وفقاً لروزنامة الأجندات التي تقف خلفها. لن ندخل في متاهة المجادلة حول الأرقام، وما تقدمه أحياناً من مفارقات، ولا في مناقشة مساحة التضخيم المتعمدة أو التجاهل أحياناً لبعض جوانبها أو ما يوازيها على الضفة الأخرى، لكن في الوقت ذاته لا نستطيع أن نفترض براءة غير ممكنة ولا هي واردة في سياق التحليل، الذي يَرِدُ في الأغلب بشواهد تقتضي إعادة النظر في الأهداف التي تقف خلفها من منظور أن التوقيت وحده يشي بالكثير، مضافاً إليه ما يجتمع تحت سقف التأويلات والاستنتاجات المرافقة له. فالحرب بأوجهها المختلفة ليست وليدة اللحظة، وما تتعرض له سورية من إرهاب أيضاً بات واضحاً للعيان، وآلية الاستهداف وجبهاتها المفتوحة وتموضعها المرفق بكثير من القرائن الدامغة على نوعيته وغايته، جميعها تقود إلى النتيجة ذاتها، غير أن السياق الذي ترد فيه يدفع بالضرورة إلى قراءة مختلفة مفادها الأساسي أن ما يساق من أرقام ليس نتاجاً بحثياً حقيقياً، بقدر ما كان موقفاً سياسياً وفي أغلبها إعلان حرب من نوع إضافي، وقد تم تذخيره بلغة الأرقام لتكون قذائف إضافية تستهدف السوريين في حياتهم وفي وجودهم وفي لقمة عيشهم. فالسوريون أدرى بحالهم من سواهم، وكانوا دائماً الأقدر على تحديد تموضع أقدامهم داخل خطوط التقاطع الاقتصادية المصطنعة بدءاً من خط الفقر الوهمي، مروراً بدخل الفرد.. وليس انتهاءً بأرقام الناتج الوطني، وصولاً إلى حرب العملات والدولار ودوره الذي أرغم الغالبية العظمى من السوريين على السؤال التقليدي عن أسعار الصرف المتداولة، سواء جاءت من المصرف المركزي أم كانت متداولة في السوق السوداء، حيث يبدو ما تقدمه من معطيات أقرب إلى جبهة إضافية تُدخل السوريين في متاهة الحديث أو البحث عن الدلالة والمعنى، في وقت لا تقدم فيه الكثير من المعلومات ولا الإحصاءات الموثوقة عن دورها وتأثيرها. على هذا الوتر كان اللعب المشبوه يتطاول على آخر ما في الجعبة من استهداف بلغة لا تخفى على أحد، ولا هي خارج سياق الحديث الذي يجترّ في الموضع نفسه، حيث الخسائر التي مُني بها السوريون لا تخفى على أحد، والضغط الاقتصادي والمعيشي يفوق أي تصور أو خيال، لكن الغَرْفَ من قاعه لإبداء التعاطف لن يقدم ما يسعف السوريين، ولا ما يخفف من معاناتهم وصعوباتهم، ولا من متاعب تأمين قوت يومهم، بقدر ما سيكون في جبهات الحرب تخندقاً يزيد ويضاعف من الإدراك لهول الحرب وما يستجلبه من هواجس ومخاوف مرافقة تراكم من الضغوط وتكون عوناً للجبهات الأخرى المنكسرة تباعا..ً من جبهة الإرهاب المندحرة، وصولاً إلى جبهة السياسة المتداعية على هياكلها ونماذجها، مروراً بالتهديد والوعيد والتهويل والمبالغة التي باتت عملة مفلسة في سوق السياسة. الفارق أنه في حروب السياسية والعسكرة وحتى الإعلام و«البروباغندا» تكون الأهداف والأجندات أقرب إلى الوضوح، وغالباً ما تخضع لعملية تدقيق، وفي كثير منها إلى تفنيد ودحض مدعومة بالواقع وما يستلزمه، وهي تقتصر في تسويقها على قنوات جوقة العدوان ورموزها المعلنة منها والمستترة. لكنها في الاقتصاد ليست كذلك، بل مغلفة بأبعاد مختلفة وأجندات تكون بلبوس الإنسانية أو من سياق التعاطف، والمؤسف أن بعضاً ممن يحسبون على الأصدقاء يأخذون ما يرد من أرقام على أنها حقائق، ويتم تظهيرها وفق ذلك المعيار من دون أن تتوافر البدائل الحقيقية، وهذا ما يساهم في تركها عرضة للتداول الانسيابي من زاوية المشاركة في التعاطف لتكون في نهاية المطاف واحدة من سهام الحرب التي تضغط على جبهات مفتوحة على المجهول. صحيح أن فجوة غياب الرقم البديل والحقيقي، تخلق مبرراً وأحياناً مسوّغاً لهذا الانخراط الذي قد يكون غير متعمد في بعضه أو عن حسن نية في بعضه الآخر، لكنه عندما يخضع لمعايير التوقيت وأبعاد الاستهداف والضخ المتعمد لمعلومات وأرقام تفتقد للحدّ الأدنى من معايير الصدقية يصبح من المتاح التساؤل عن هامش الفعل في مجاراة تلك الأرقام وحربها الغارقة بلغة الافتراض. هذا ليس تبريراً لغياب الرقم البديل ولا هو تعويض عن تجاهل المطالبة بتوافره في وقت ندرك جميعاً ليس الاستحالة فحسب، بل المخاطر المحدقة به إذا لم تتوافر عوامل الأمان المعرفي والإحصائي الدقيق لمثل تلك الأرقام، وهي الحرب التي تفرض محاكاة مختلفة، حيث ما يفيد في بعضها قد يكون مُضراً في كثير منها، وما هو غير مُجدٍ في قسم من جوانبها يكون كارثياً فيما تبقى، مما يعيد الكرة إلى الملعب الأول في النظر أبعد إلى التوقيت والتقاطع الحاد في المقاربة التي ترسم خيوط حرب الأرقام ببنادقها الاقتصادية وقذائفها ذات الطابع الحياتي اليومي، وما تخفيه خلفها من متاريس استهداف قد تُشكّل برأي الكثيرين بديلاً للتعويض عن إفلاس في السياسة وعجز في العسكرة وترنُّح في الإعلام وفشل في التقارير والدراسات والتقديرات..!! |
|