تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ندوة الترجمة «واقع و آفاق»: جسور عابرة للحدود

ثقافة
الأحد 4-10-2015
فاتن دعبول

تبقى الترجمة أهم قنوات الحوار بين الحضارات، ويبقى الأدب مرآة المعطيات الاجتماعية والحضارية للشعب والمجتمع، ولا يستطيع أحد أن ينكر ما للترجمة من أهمية قصوى في نقل التراث الفكري بين الأمم وما لها من أثر في نموالمعرفة الانسانية عبر التاريخ،

وبمناسبة اليوم العالمي للترجمة الذي يصادف في 30 أيلول، أقام اتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع الهيئة السورية العامة للكتاب ندوة بعنوان «الترجمة واقع وآفاق» في القاعة الشامية في المتحف الوطني في دمشق.‏‏

‏‏

اللغة.. مفتاح المعرفة‏‏

تضمنت الندوة العديد من المحاور ادارتها مديرة الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب سوزان ابراهيم، وفي كلمة الهيئة العامة السورية للكتاب تحدث الدكتور جهاد بكفلوني مدير الهيئة عن أهمية الترجمة والتأليف وقال: «إن الحضارة الانسانية عبارة عن جزر متفرقة بحاجة إلى تواصل، والترجمة هي الجسور الممتدة التي تتمم حركة العبور بانتظام من هذه الجزر وإليها، والدولة التي تريد أن تعيش في ايقاع العصر وأن تقتحم موجه وتطوع الريح لتجري وفق ارادتها عليها:‏‏

أن تأخذ بأسباب الترجمة مع تحصين لغتها الأم لأنها ارث الاجداد والوديعة الكبرى التي نقلت إلينا، وفي الآن نفسه علينا أن ننفتح أكثر على الثقافات الأخرى، على ألا يكون الانفتاح عشوائيا، لأن الشخصية الوطنية يجب أن تظل محتفظة بحضارتها الأساسية.‏‏

فالترجمة واقع علينا أن نوليه كل رعاية وعناية إذا أردنا لحركة التفاعل والتلاقح مع الثقافات الاخرى أن تسير قدما إلى الأمام».‏‏

مهنة السلام‏‏

وفي رسالتها عن الترجمة عبرت الدكتورة نورا أريسيان عن أهمية الترجمة كمهنة إنسانية فقالت:‏‏

«إن مهنتنا هي المهنة التي تعمل على تلاقي الناس وتفاهمهم وتعاونهم وتقاربهم، وهي الجسر الذي يتواصلون عبره بين جهات العالم الأربع. هي المهنة التي رافقت اللغات منذ نشأتها وساوت بينها وأغنتها. وهي المهنة التي تزداد أهميتها بقدر ما يتقارب الناس وتتواشج مصالحهم. إن مهنتنا لجديرة باسم مهنة السلام. فهي تقدم ألسنة الشعوب الأصيلة وأدبها الرفيع وقيمها السامية ومعارفها المفيدة، وهي بعد ذلك جسر بلادنا إلى العالم وجسر العالم إلى بلادنا.‏‏

فللترجمة يد بيضاء في كل خطوة خطاها الإنسان على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. فهي جامعة المعرفة وناقلتها، وهي مستلهمة التجارب وناشرتها؛ لا مشروع من دونها ولا تقدم بلا مواكبتها. وستزداد أهميتها مع ازدياد نسبة المعرفة في الاقتصاد العالمي «.‏‏

كما بينت مديرة الترجمة سوزان ابراهيم أنه تم التحضير بعناية واهتمام لهذه الندوة بالتعاون مع جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب قبل شهرين وقد صادفتنا تحديات كثيرة وخصوصا في العناوين التي تشمل جوانب متعددة تقف عند أمور تتعلق بالترجمة وبعض الاشكالات التي ترافقها، ولكن تم اختيار المشاركين من خيرة المترجمين، وستنتهي هذه الندوة بتوصيات عديدة ويكون هناك خطة مستقبلية للترجمة وتوسيع افق هذا المجال.‏‏

كما بين المترجم جعفر العلوني دور الترجمة في تعريف الأنا على الآخر الموجود وراء البحار والمحيطات والذي يمتلك ثقافة ولغة مختلفتين، وعلينا أن نمد الجذور للتواصل معه والتعرف على أنفسنا أكثر، ولا بد أن نذكر الدور الكبير الذي لعبته الترجمة في خلق آفاق جديدة للكتابة في اللغة العربية، فكثير من مبدعينا تواصلوا مع الثقافات الأوروبية من خلال اطلاعهم على اعمال شكسبير وغيره من الأعمال المترجمة، فكان بذلك للترجمة دورها في الاطلاع على ثقافة الآخر من جهة والتأثير على نمط الكتابة من جهة أخرى.‏‏

للغة الوسيطة.. ضريبة باهظة‏‏

بدأت الندوة مع الدكتور عدنان جاموس الذي بحث في موضوع الترجمة الوسيطة واتخذ من الدكتور سامي الدروبي انموذجا له وتوقف في هذا الاطار امام ثلاثة عناوين ترجمها الدروبي من الادب الروسي عبر لغة وسيطة، وحاول الغوص في تفاصيل تلك الترجمات متوقفا عند دقتها ودرجة أمانتها للأصل، ووصل إلى مجموعة من السمات التي من الممكن أن تطغى على الترجمة عن لغة وسيطة منها أن النص المترجم يقتصر على المعاني ويتخلص من سطوة النص التي تفرض نفسها إضافة إلى بعض الاخطاء التي تتراوح بين الثغرات البسيطة والأخطاء الكبيرة، وبالطبع هذا لا ينفي أهمية الدروبي كمبدع وانسان ترك الكثير من المؤلفات والترجمات منجزا ما عجزت عنه مؤسسة كاملة.‏‏

ويخلص إلى القول بأن الترجمة عن لغة وسيطة هي في أحسن الأحوال نقل لمضمون العمل مجردا من مقوماته الفنية والجمالية الأصيلة ومكتسبا جماليات أسلوب المترجم، وأن وجود فضاء ثقافي وسيط لا بد أن يؤدي بالضرورة إلى افقاد الترجمة بعضا قليلا أوكثيرا من نكهة الأصل وروحه الأصيلة.‏‏

وبين مالك صقور أن المترجمين كانوا دائما حاضرين في كل العصور وقد صاحبوا الحملات الحربية والغزوات والرحلات والحج، وهم في ظل ذلك يترجمون الآداب والعلوم، فالحضارة اغتنت وأكملت بعضها بعضا بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب، والمترجمون هم الجنود المجهولون الحقيقيون الذين لم يأخذوا حقهم إلا بعهد المأمون، فقد كان يزن مثلا لحنين بن اسحق وزن مخطوطه المترجم ذهبا حتى يقال أنه كاد يفلس بيت المال.‏‏

كما بحث صقور في واقع الترجمة عبر العصور المختلفة من العباسي مرورا بعصر النهضة متوقفا عند كل مرحلة بالشرح والتفصيل والأمثلة ليصل إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال الاقطار العربية وتأثير الفكر الوجودي والاشتراكي في أوروبا، وتأثير ذلك على الترجمة في البلاد العربية‏‏

وتمنى بدوره أن يعاد بيت الحكمة وتأخذ الترجمة حقها، لأن المترجم لا يحصل على التقدير الكافي وخصوصا أن الأضواء تتجه للمؤلفات في حين يغيب جهد المترجم.‏‏

استراتيجية وطنية للترجمة‏‏

وبين عياد عيد أن الاساس في أي مجتمع هوالحراك الثقافي المحلي وعلى الترجمة أن تؤدي دور المساعد على تنشيط هذا الحراك وتحفيزه وتوسيع أفقه، لا الحلول محله وتعويض النقص فيه.‏‏

وبعض من يعمل في المجال الثقافي يرى أن الأزمة التي يعيشها مجتمعنا حاليا هي أزمة ثقافة، وأن أي استراتيجية للترجمة يجب أن لا تتقدم على الاستراتيجية الثقافية العامة للبلاد، وعليها في الوقت نفسه أن لا تتأخر عنها، اي يجب أن تكن مواكبة ومحفزة لها، ويجب أن تكون الاهداف العامة للترجمة منسجمة مع أهداف العملية الثقافية ومكملة لها.‏‏

ولفت عيد إلى أنه وبالرغم من كون العملية الثقافية هي الضحية لأي تقلبات سياسية واقتصادية إلا أن العامل الثقافي هوالحاسم في سير المجتمع والحل للخروج من الأزمة التي نعيشها اليوم.‏‏

كما بحث الدكتور رضوان قضماني في حال الترجمة في زمن العولمة مؤكدا أننا مازلنا في زمن اكتساب المعرفة، في حين ان الغرب وصلوا لانتاجها.‏‏

كما اعتبر حركة المترجمين اليوم ترمي إلى ملء فجوة نشأت بين العرب والغرب، وهذا العمل طبعا واجهه معوقات وصعوبات عديدة وأن النهوض بالترجمة يعاني من واقع سلبي يتمثل في ضالة الكم المالي الذي ينفق على الترجمة وضعف الاحتفاء بها عربيا مشيرا إلى أن أكثر من نصف الآداب المترجمة إلى العربية محصورة في الأدب الانكليزي والأمريكي وأن أغلب الأدب العالمي يترجم نقلا عن لغة وسيطة لا عن لغته الأم.‏‏

وطالب قضماني بتشكيل وعي نقدي عال حيال الترجمة وتصعيد درجات الوعي النظري بالترجمة وحل المشكلات الجديدة الناشئة المتعلقة بإمكانيات الترجمة الآلية بواسطة الحاسوب وآفاق احتمالاتها وتوفير المترجم المتخصص في كل مجال جديد من مجالات الترجمة العلمية.‏‏

وفي مداخلته التي عنونها «الترجمة الادبية ميدان للأدب المقارن ودورها في نماء التفاعل بين الثقافات بين الدكتور راتب سكر أن الترجمة ظاهرة من ظواهر العلاقات الخارجية للأدب ومن الأهمية بمكان تأصيل مكانة مؤلفات الأدب والدرس الأدبي المترجمة في الحياة الثقافية العربية وتفعيل حضورها في المناهج التعليمية الجامعية.‏‏

والترجمة ومنجزاتها هي حقول معرفية مشتركة بين دارسي اللغات والأدب المقارن وغيرهم، وعلى كل منهم أن يسهم في توصيف هذه الحقول وتحليل صلاتها بالدراسات العلمية المنهجية وتقويمها، وتتكامل دراسة دور الترجمة في نماء التفاعل بين الاداب والثقافات ميدان الأدب المقارن مع دراسة قضاياها وظواهرها الآخرى التي تشكل نسيجا مهما في هذا الميدان.‏‏

وعن دور الترجمة في التنمية الوطنية تحدث الاديب حسام الدين خضور وبين أن الترجمة محرك ثقافي وجسر يهدم الفجوة بين الشعوب وعنصر اساسي في التربية والتعليم وهذه كلها من مفردات الترجمة.‏‏

وتناول بدوره الطرق التي تشارك من خلالها الترجمة في التنمية وحدد طريقين اثنين، الأول غير مباشر من خلال نقل المعرفة والثاني مباشر عبر اسهامها بنسبة في الدخل الوطني قابلة للزيادة باستمرار، واعتبر ان الترجمواحد عوامل تطوير المهن والنشاطات الأخرى ولكن ثمة صعوبات أمام التنمية الثقافية أهمها غياب التنسيق بين الجهات المختلفة وضرورة وأهمية اعداد المترجمين وتعميق معرفتهم بثقافتهم ولغتهم الاجنبية وضرورة التعاون وتبادل الخبرات بين المعهد العالي للترجمة والمعاهد الأجنبية وتفعيل عمل مجمع اللغة العربية ليكون مخبرا لغويا لمختلف الاختصاصات.‏‏

اختتمت الندوة بنقاشات مطولة عن أهمية الترجمة وضرورة توسيع آفاقها لتمتد إلى الاداب الافريقية وغيرها في اختيارات مدروسة للكتب والعناوين المراد ترجمتها.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية