تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المكـــان التاريخـــي للمدينـــة جـــــزء مــــــن حضورهــــــــا

ثقافة
الأحد 4-10-2015
 عمار النعمة

في كل المدن العربية كان ثمة ساحة أو ساحات شهيرة.. ساحات دمشق وحلب والقاهرة والقدس وحيفا وبغداد, ولكل ساحة من مدينة عقدُها من الحكايات ونغمتها التي كانت منضمة إلى الهارموني الناظم لكل تكوينات المدينة بعناصرها المعمارية وأصواتها وروائحها.

لقد حملت بعض الساحات أحداثاً حولتها إلى مكان أثير في الذاكرة الجماعية, بل والذاكرة الوطنية والقومية.. (ساحة المرجة) الدمشقية و(ساحة سعد الله الجابري) الحلبية.. وثمة ساحات غطاها الحزن الكبير..ساحة (الميدان) في بغداد في بداية شارع الرشيد حيث شكلت المقاهي البغدادية قديمها وجديدها طقساً حانياً ضاجاً بالمثقفين وأحاديثهم وحواراتهم.. و(ساحة الأقصى) المقدسية أكثر الساحات حضوراً في المشهد العربي والعالمي.‏

هذا ماذكره الدكتور بغداد عبد المنعم في كتابه الجديد (في جمهورية البياض, المدينة - التراث - المرأة) الصادر عن وزارة الثقافة - الهيئة العامة السورية للكتاب والذي يوزع مع مجلة المعرفة السورية.‏

تضمن الكتاب ثلاثة أقسام الأول بعنوان المدينة - الثاني: المدينة والتراث غير المادي - الثالث: المدينة والمرأة..‏

وفي عنوان (المدينة والحاسة اللانهائية) يقول المؤلف: حين تتعمق المدن تروح فيها السنون طولاً وعرضاً ووجهاً فتغدو صافية وبعيدة... فلاتذهب أضواؤها أبداً, وكذلك لاتذهب كلماتها, لأنها لاترتجل الكلمات ارتجالاً, وهي لاحقاً لم ترتجل التكوينات والملامح.‏

المكان التاريخي للمدينة جزء من حضورها وبعض سماتها وهويتها, هو الإحداثيات المباشرة من مساقطها الأبعادية المساحية والارتفاعية ومسقطها الزماني كذلك.. هذه الإحداثيات شكلت مجالات التفاعل, وانطلقت منها تعبيرات مختلفة خاطبت الحواس وأطلقتها... وخلال عدد لانهائي من المرات أعادت المدينة تنسيق تكويناتها لتجيد اتصالاً فائقاً مع الحواس.. ليس مع الحواس الإنسانية عامة بل مع حواس ناسها وأهلها.. فلامدينة خارج صوتهم ولامدينة خارج عطرهم, ولامدينة إلا بتشكيلات عيونهم ولايبقى للمدينة من نكهة إلا نكهة الإنسان.‏

وتحت عنوان المدينة والمرأة يتحدث المؤلف في فصل (في جمهورية البياض) هناك من الموضوعات مايمكن أن نشكل به هدنة بيضاء ما بين الواقع وحلم ما, ولكن بالتأكيد ليس مانقصد أن نصنع هدنة من أي نوع كان بين الباطل والحق أو الظلم والعدل...‏

المدينة أنثى تنتابها (دورة الحياة) في كل أبعادها فتعطيها التبدل المستمر والاستعداد للولادة, فهي مطلقاً لم تتشكل فقط من مجموعات من الأبنية والشوارع, ولا من مجرد علاقات, ليست المدينة كل ذلك فقط, ولوكانت كذلك فقط لكانت مجرد نظام حاسوبي محدود, مدينتنا متبدلة بمقدار ماهي راسخة.‏

إنه الآن غسق حلب المطبوع في جبهتها ليغدو في حضانتها الحديثة متعدد الجمال بل خارجاً على حدود المدينة الحذرة....‏

في بيت المدينة الجديد مظاهرة ياسمين ترصف رؤوسها البيضاء مع وشاحاتها الخضر, هتافها الأنيق أبيض ورفيع... في البيت القديم يخرج الياسمين من الحجر يحقق عفوية الوجود لكأنه تكوين معماري, أو كأن عناصر البيت جزء من جمهورية البياض.‏

كتاب (في جمهورية البياض) كتبه د.عبد المنعم من عبق المدينة ورائحة التراث والياسمين وهو جدير بالقراءة والاطلاع لاحتوائه على معلومات جمّة ثقافية وجمالية وتراثية تنساب معها, تأخذك إلى تفاصيل المدينة وساحاتها وصوتها وتاريخها وحضارتها.. وبالمحصلة سينال اهتمام المختصين بشكل خاص والقراء بشكل عام.‏

ammaralnameh@hotmial.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية