|
متابعات سياسية أن هذا السلوك الذي تراوح بداية بين الفرار بعيداً الى خارج الأراضي السورية وبين تغيير المقرات , يشكل في نهاية المطاف ما يمكن أن يعتبر إدانة وإهانة لسلوك التحالف الأميركي المزعوم ضدّ داعش , ودليلاً قاطعاً على كذب هذا التحالف . إنه يشكل إهانة لأن زعم واشنطن بأنها شنّت مع أتباعها عشرة آلاف غارة جوية على مواقع داعش في غضون سنة من الزمن , أي بمعدل يومي يصل الى 27 غارة , يعني أنها فشلت رغم هذا العدد المزعوم من الغارات في إخافة تلك العصابات , وحملها على الفرار الى خارج الأراضي السورية أو تغيير المقرات . وحيث يكون فرار الدواعش نحو العراق حيث يفترض أن واشنطن تكثف هناك غاراتها هرباً من الغارات الروسية , فهذا يعني ببساطة متناهية أن الدواعش اعتادوا على النظر الى الغارات الأمريكية على أنها تشكل برداً وسلاماً بالنسبة لهم . فهل تملك الولايات المتحدة تفسيراً مقبولاً لهذه الظاهرة ؟ . وهل تستطيع الادّعاء بأنّ قدرتها على استطلاع الأهداف ومن ثم على الاستهداف هي أقل من قدرات سلاح الجو الروسي ؟ . لا أحد يستطيع القطع بأن قدرات أمريكا أقل من قدرات روسيا . وعليه , ما الذي يجعل غارات الطائرات الأمريكية وطائرات أتباعها لا تخيف الإرهابيين ولا تؤثر عليهم , بل إنها تتيح لداعش فرصة أن تتوسع أكثر , وأن تتنامى أكثر ؟. الجواب الوحيد المقبول والمنطقي أن هناك تواطؤاً أمريكياً مع داعش ومع غير داعش من التنظيمات الإرهابية , وأن حملة التحالف الأميركي على داعش لم تكن حملة حقيقية بل وهمية , وهي حملة تهدف الى تقوية داعش وشقيقاتها , والعمل على تمكين الإرهابيين من نشر الفوضى في المنطقة , باعتبار أن هذه الفوضى هي المدخل الى تمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل . لقد بات بوسع جميع الناس في عالمنا الآن أن يروا حقيقة العبث الأميركي وقد تجسدت على أرض الواقع بشكل لا يملك أحد دحضه . فما لم ينجزه الطيران الأميركي في أكثر من سنة من الزمن أنجزت العمليات المشتركة للطيران الروسي والسوري خلال يومين من بدء الحملة ما يفوقه تأثيراً !!. وهذا يعني أن العبث الأمريكي المكتشف يصل الى حدّ الفضيحة . ولو كان هناك في أميركا من يريد إحراج أوباما وإدارته لكان بوسعه أن يثير في وجهه فضيحة « داعش جيت » , واتهامه بخداع الشعب الأميركي وإهانة الجيش الأميركي. ولكن « داعش جيت « تمت وتتم في خدمة الصهاينة , ممّا يجعل من مصلحتهم تتمثل في التستر عليها , وليس في إثارتها . لا تستطيع أميركا أن تزعم بأن أقمارها الصناعية لا ترصد كلّ سكنة ونأمة داخل الأراضي السورية والعراقية , أو أنها لا تتابع كل شيء يحدث على الأرض . كما أنها لا تستطيع الزعم بأنها لا تملك طائرات استطلاع بطيارين وبدون طيارين تسهم في رصد التحركات . ولو أنها استثمرت هذا الاستطلاع في استهداف داعش كما تدّعي لكان بوسعها أن تحول دون تمكن مئات الآليات التي يستقلها الدواعش من غزو تدمر , ولكانت قد بعثت بطائراتها لاستهداف تلك الآليات , ولأنزلت ضربة قاصمة بداعش وإرهابييها . ولكنها لم تفعل , فما الذي كانت تفعله إذن ؟ . منذ أمدٍ بعيد نبهنا الى خطورة أجهزة الاتصال التي وضعتها أمريكا وغيرها من الأطراف التابعة لها في أيدي الإرهابيين , وقلنا إن أجهزة الاتصال هذه تضمن الربط الفوري بين الإرهابيين وبين غرف العمليات العائدة لمشغليهم . والأهم أن غرف العمليات هذه تستطيع رصد مواقع تواجد الإرهابيين بدقة من خلال أجهزة الاتصال المتطورة تلك . وبالتالي , فإن أدوار الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع التي تحلق بذريعة محاربة داعش ليست رصد الإرهابيين وتحديد مقرات تواجدهم , وإنما رصد حركة الجيش العربي السوري وإعطاء توجيهات للإرهابيين عبر أجهزة الاتصال بما يمكنهم من المناورة والقيام بالأدوار المطلوبة منهم في استهداف سورية. ولا نظن أن الأمر يختلف في العراق . وهنا نتساءل : هل كانت آلاف الطلعات الجوية للطائرات الأمريكية هي بغرض الاستطلاع وأداء الوظيفة المحددة لها في خدمة الإرهابيين أم كانت بهدف الإغارة على الإرهابيين ؟ . ما حدث بعد دخول الطائرات الروسية على الخط يكشف الحقيقة القائلة بأنهم لم يستهدفوا الإرهابيين فعلياً إلا بأدنى الحدود وبحسابات معينة تسهم في تقوية الإرهابيين وليس في إضعافهم . قد يقول قائل : ولكن هناك أشخاص من داعش أعلنت الولايات المتحدة عن تنفيذ عمليات خاصة ضدهم لقتلهم أو أسرهم . ونقول : هذا صحيح . ولكنه معتاد وعادي . فكل عنصر أو قائد إرهابي ترى الولايات المتحدة أنه يشكل خطراً عليها تستهدفه بالتصفية بغض النظر عن التكلفة المالية للعملية . وهذا ما اعتادت عليه في أفغانستان وباكستان واليمن . لكن القائمة على كل حال ليست طويلة , لأن ما يحدث هو استثناء من القاعدة المتمثلة في احتواء الإرهاب , وتغييب بعض الإرهابيين الخطرين عليها هو جزء من عملية الاحتواء هذه . ثم إن هناك تفسيراً آخر فيما يتعلق بداعش على وجه الخصوص . إن داعش خلافاً للتنظيمات الإرهابية التكفيرية الأخرى التي تدور في فلك القاعدة أو تنضح من الفكر الوهابي , ليست تنظيماً متجانساً . فهي عبارة عن تجمّع لقوى متعددة . فمنها من يدّعون أنهم سلفية جهادية , ولكن فيها أيضاً ضحايا الانقضاض الأميركي على نظام صدّام ممّن ألقى بهم الحاكم الأميركي بول بريمر الى الطريق , وجرّدهم من كل مصدر للحياة, وخاصة منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية . وفي تنظيم داعش أيضاً عصابات من المرتزقة زجتها المخابرات الأمريكية داخل التنظيم لتكون عيناً لأميركا على الآخرين , وضمانة لها في مواجهتهم . ومن هنا يمكننا أن نفهم بأنه إذا حدث استهداف أمريكي لهدف داعشي فإن هذا الاستهداف سيكون خاضعاً للتصنيف الأميركي , ومحصوراً في تلك الفئة أو الفئات التي يهم أميركا إضعاف دورها , ولن يستهدف داعش ككل . وهذا التصنيف يفترض وجود متابعة أمريكية دقيقة لتشكيلات داعش تتم من داخلها , ولا تكفي بصددها عمليات الاستطلاع عن بعد . كما أن هذا السلوك يؤكد صحة الاتهام الموجه الى الولايات المتحدة بأنها لا تريد إلحاق الهزيمة بداعش وإنما يهمها احتواءها فقط . إن العبث الأميركي القائم على استثمار الإرهاب قد تكشفت أوراقه الآن وأمام أول امتحان . ولعل الولايات المتحدة هي من أصدرت تعليمات لقيادات العصابات الإرهابية تطلب من هذه الجماعات المبادرة الى تغيير مقراتها , أو فرار عناصر منها يهم الولايات المتحدة الحفاظ على حياتهم , الأمر الذي يفسر ردود الفعل السريعة في أوساط الجماعات الإرهابية . وهذه على أي حال أنماط من السلوك لم تلحظ حين كانت واشنطن تزعم أنها تستهدف داعش مما يدلل بشكل لا لبس فيه على علاقة وثيقة قائمة بين واشنطن وداعش , فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بالجماعات الأخرى التي لا تخفي واشنطن مساندتها لها . |
|