تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في حدث..الدواء لا الداء

آراء
الاربعاء 12/3/2008
د. اسكندر لوقا

من البديهيات أن تؤثر الهواجس المؤرقة وبأشكالها المختلفة في حياة الإنسان على حاضره, بشكل أو بآخر. فهاجس القلق أو اليأس أو الخوف من المستقبل كل من هذه العناوين يُعدّ طرفاً في هذه المعادلة. وفي أحيان أخرى يندرج الحزن بين هذه العناوين لاعتبارات أشدها تأثيراً ما يتصل بالتجارب أو بالأحداث المؤلمة التي خبرها في حياته,

وخصوصاً في سنوات عمره المبكر.‏

بيد أن من عناوين هذه المعادلة , بدءاً بالقلق , وانتهاء بالحزن, لابد أن يشكل صورة من صور الهواجس التي أشرت إليها, وإن يكن ليس شرطاً أن تقارب الصورة, بالضرورة, حالة مرضية غير قابلة للعلاج. هذا إذا أردنا قراءة الهاجس بتفهم من حيث تأثيره على حياة الإنسان.‏

فالقلق بهذا المعنى يشكل حافزاً للإنسان كي يتجاوز تداعياته, كما اليأس يدفعه للبحث عن سبيل يوصله إلى دائرة التفاؤل, كما أن الخوف من المستقبل يجعله يتنبه لخطاه حتى يتجنب المنزلقات على الدرب, وكذلك الحزن الذي يستدعي من حاضنه مواجهته بالنسيان أو بالعودة إلى الذات في واقعها الحالي وما يختزنه من مسوغات التغلب على مشاعر الحزن لسبب من الأسباب الخارجة عن إرادته كفقدان الأبوين أو أحدهما, على سبيل المثال. في هذه الحالة يغدو الحزن المكتسب بفعل الظروف الخاصة بمثابة حقنة تعين حاضنه على تخطي آثاره وذلك بالسعي لتحقيق النجاح في حياته وغالباً ما ينجح. وبذلك فإن كلا من العناوين التي أشرت إليها, يصحّ تصنيفه ضمن المعادلة القائلة بأن الفقر مدرسة, كما التشرد مدرسة, وكما اليتم مدرسة, ولايكون أحدها عائقاً أمام هدف منشود أمام إرادة الصمود والمواجهة.‏

إن الفقر, وبشهادة الكتب التي تروي سير العظماء في تاريخ البشرية, صنع العديد منهم. وثمة الأمثلة التي لاتحصى التي تؤكد على أن الفقر في حياتهم كان الدواء لا الداء, وهم باقون في الذاكرة الجمعية للبشرية على مدى الأيام. ومن هنا قولنا بأن الهواجس التي تؤرقنا, غالباً ما تكون بمثابة جرس إنذار يحفزنا على مداراة آثارها السلبية في حياتنا, فنخرج بذلك من إطارها الضيق إلى الآفاق الأكثر اتساعاً, حيث الثقة بالنفس لا القلق ولا الخوف, وحيث الطمأنينة والأمل لا التشاؤم, لأن مسار حياة الإنسان حين يكون واثقاً من نفسه ومن قدراته الفعلية على التعاطي مع واقعه بموضوعية, هو المسار الموصل إلى غايته في نهاية المطاف خارج دائرة التشاؤم والتقاعس وما شابه ذلك.‏

وبطبيعة الحال, فإن يوما يكاد لايمضي على أحد من الناس دون أن يتداعى شيء من مخزون هواجسه إلى ذاكرته, بيد أن هذا التداعي ليس شرطاً أن يشدّه إلى الوراء, إلى درجة تفقده توازنه خلال ساعات يومه. ولهذا الاعتبار, في اعتقادي, أن ما يصيب الانسان في ماضيه قد يكون مسوغاً لتحفظاته في أثناء تعاطيه مع واقعه الحاضر, بكل ما فيه من بوادر الأمل والتفاؤل من حيث المبدأ.‏

إن مشاعر القلق أو الخوف أو حتى الحزن, من البديهيات أن تغدو, لدى الواثق من قدراته على تجنّب آثارها السلبية, عامل تفاؤل لا عامل تشاؤم, عامل شفاء من داء القلق الدائم, لا عامل استسلام ورضوخ له.‏

إن علم النفس أثبت أن في شخصية كل انسان مستويين رئيسيين وهما : ال (أنا) من جهة وال (هو) من جهة أخرى , بمعنى عالم الداخل وعالم الخارج, ولهذا الاعتبار, يتداخل الماضي بالحاضر في بعض الأوقات والعكس صحيح أيضاً, وأحياناً يغلب أحدهما الآخر. ولكن مع غلبة الوجه الإيجابي على الوجه السلبي للهاجس المؤرق, يكون للإنسان حضوره المتوازن في الحياة. لأنه في هذه الحالة يكون قد استرد وعيه. وفقط في مثل هذه النتيجة يصبح الهاجس الدواء لا الداء.‏

DR-louka ">@maktoob.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية