|
آراء
و نعرف من قصص الحب التي سمعناها و قرأناها الكثير , و الاشهر ( قيس و ليلى ) و ( جميل بثينة ) و ( كثير عزة ) و ( قيس و لبنى ) و غيرها طويل و كثير , حيث تكنى الشعراء باسماء حبيباتهم اعتزازاً بهن و اعترافاًً. و من أعجب قصص الحب التي لم تشتهر شهرة جميل و قيس و كثير قصة ليلى الاخيلية التي اعتبرها عصرها أشعر من الخنساء , كانت فضيحة اللسان , ساخرة , جريئة , حتى كاد الحجاج ذات يوم يأمر بقطع لسانها عندما روت له من شعرها ما شعر به سخرية منه , و لكن عندما عادت و مدحته أعطاها ما أرادت . كان الحب في ذلك الزمان الجميل يبدأ بمصافحة فقط , و ربما بنظرة عابرة , و أحيانا على السمع , و تلتهب العاطفة و تصبح في بعض الاحيان كالجمر في القلوب . حدّث عبد الله بن مسلم عن أبيه قال : ( كنت في مجلس ضم أشرافاً من مكة , فتذكروا الخنساء و ليلى الأخيلية , ثم أجمعوا على أن الاخيلية أفصحهما , و أنشد بعضهم متعجباً من فصاحتها , للأخيلية : يا أيها السّدم الملوي رأسه لينال من أهل الحجاز بريما لينال عمرو بن الخليع و دونه كعب اذاً لوجدته مردوما و قال الحجاج لجلسائه , بعد أن استمعوا الى شعرها : أتدرون من هذه , قالوا : لا و الله أيها الأمير , إلا أننا لم نر امرأة قط أفصح لساناً , و لا أحسن محاورة و لا أملح وجهاً , و لا أرصن شعراً منها , فقال : هذه ليلى الاخيلية التي مات ( توبة الخفاجي ) من حبها . ثم التفت اليها فقال : أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة : فقالت : نعم أيها الأمير.هو الذي يقول : و هل تبكين ليلى إذا مُت قبلها وقام على قبري النساء النوائح كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها وجاء لها دمع من العين سافح و لو أن ليلى الاخيلية سلّمتْ عليّ و فوقي تربةً و صفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح فقال لها : زيدينا يا ليلى من شعره , فقالت : و كنت اذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها يقول رجال لا يضرك نأيها بلى كلما شفّ النفوس يضيرها بلى قد تصبر العين أن تكثر البكا لنفسي تقاها أو عليها فجورها فقال لها الحجاج : يا ليلى ما الذي رابه من سفورك ? قالت : كان يلّم بي كثيراً , فأرسل إليّ يوما : إني آتيك , ففطن الحي فأصدروا له , فلما أتاني سفرت فعلم أن ذلك لشّر , فلم يزد على التسليم و الرجوع . فقال : لله دّرك , فهل رأيت منه شيئاً تكرهينه ? قالت : لا .و الله الذي أسأله أن يصلحك . غير أنه قال لي مرة قولاً ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر , فأنشأت تقول : وذي حاجة قلنا له لا تبح بها فليس اليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه و أنت لأخرى فارغ و حليل فلا و الله الذي أسأله ان يصلحك ما رأيت منه شيئاً حتى فرق الموت بيني و بينه , قال : ثم مه ? قالت : ثم لم يلبث أن خرج في غزاة له فأوصى ابن عمه : اذا أتيت الحاضر من بني عبادة فناد بأعلى صوتك : عفا الله عنها هل أبيتن ليلية من الدهر لا يسري إلىَّ خيالها فخرجت و أنا أقول : و عنه عفا ربي و أحسن حاله فعّز علينا حالة لا ينالها قال : ثم مه ? قالت : ثم لم يلبث أن مات فأتى نعيه , قال : فأنشدينا بعض مراثيك فيه فأنشدته : لبتك العذارى من خفاجة نسوة بما شؤون العبرة المتحدر ثم أنشدت : كأن فتى الفتيان توبة لم ينح قلائص يفحص الحصى بالكراكر ( يفحص : يحفرن - الكركرة : صدر البعير ) و هنا سأل محصن الفقعسي : من هذا الذي تقول هذه هذا فيه ? فو الله إني لأظنها كاذبة , فنظرت اليه ثم قالت : و الله أيها الأمير ان هذا القائل لو رأى توبة لسره أن لا تكون في داره عذراء الاهي حامل منه . فقال له الحجاج : هذا و أبيك الجواب . و قد كنت عنه غنيا . ثم سأل الحجاج ليلى الاخيلية ما تريد . و اعطاها كل ما طلبت وفي مكان آخر ,نقرأ أو نسمع عبدالله بن شبيب شعراً لليلى الاخيلية: لعمرك ما الموت عار على الفتى إذا لم تصبه في الحياة المعاير وما أحد حياً وان كان سالماً بأخلد ممن خلدته المقابر ومن كان مما أحدث الدهر جازعاً فلا بد يوما أن يرى وهو صابر وليس لذي عيش عن الموت مذهب وليس على الأيام والدهر عابر فلا الحي مما يحدث الدهر معتب ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر وكل شباب أو جديد إلى بلى وكل امرىء يوما الى الله صائر ومن مآثر ليلى الاخيلية , أن الخليفة عبد الملك بن مروان دخل على زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فرأى عندها امرأة بدوية أنكرها, فقال لها: من أنت? قالت: انا الوالهة الحرى, ليلى الاخيلية , قال: أنت التي تقولين: أريقت جفان ابن الخليع فأصبحت حياض الندى زالت بهن المراتب فعفاؤه لهفى يطوفون حوله كما انقض عرش البئر والورد عاصب قالت: انا التي تقول ذلك . قال: فما أبقيت لنا? قالت: الذي أبقى الله لك. قال: وما ذاك? قالت: نسباً قريشياً وعيشاً رضياً وإمرة مطاعة .قال: أفردته بالكرم, قال: أفردته بما انفرد به. فقالت عاتكة : انها جاءت تستعين بنا عليك في عين لتسقيها وتحميها لها. ولست ليزيد إن شفعتها في شيء من حاجتها, لتقديمها أعرابياً جلفاً على أمير المؤمنين .قال: فوثبت ليلى فجلست على رحلها(أي ناقتها) واندفعت تقول: ستحملني ورحلي ذات وخد عليها بنت آباء كرام إذا جعلت سواد الشام جنباً وعلّق دونها باب اللئام فليس بعائد أبدا إليهم ذوو الحاجات في غلس الظلام أعاتك لو رأيت غداة بنا عزاء النفس عنكم واعتزامي إذاً لعلمت واستيقنت أني مشيّعة ولم ترعي ذمامي أ أجعل مثل توبة في نداه أبا الذبّان فوه الدهر دامي معاذ الله ما حفت برحلي تغذ السير للبلد التهامي أقلت خليفة فواه أحجى بإمرته وأولى باللثام لثام الملك حين تعد كعب ذوو الافكار والخطط الجسام فقيل لها: أي الكعبين عنيت? قال: ما أخال كعباً ككعبي (الذبان : تقصد بها: عبد الملك بن مروان ) وقال عبد الملك بن مروان لها مرة: بالله عليك هل كان بينك وبين توبة سوء قط? قالت: والذي ذهب بنفسه وهو قادر على ذهاب نفسي, ما كان بيني وبينه سوء قط , الا انه قدم من سفر فصافحته فغمز يدي, فظننت أنه يخنع لبعض الأمر, قال: فما معنى ذلك في قولك, وأنشدت البيتين اللذين سبق ان سجلناهما وهما: وذي حاجة قلناله: لاتبح بها فليس اليها ما حييت سبيل لنا صاحب لاينبغي ان نخونه وانت لأخرى فاعلمن حليل (صاحب: عنت به زوجها) ثم قالت: لا والذي ذهب بنفسه ما كلمني بسوء قط حتى فرق بيني وبينه الموت, قال الخرائطي: وقيل لليلى الاخيلية: هل كان بينك وبين توبة ما يكرهه الله? قالت: إذاً أكون منسلخة من ديني ان كنت ارتكبت عظيماً لم أتبعه بكذب لما قتل توبة بن الحمير (عاشق الاخيلية) اجتاز زوج ليلى الاخيلية وهي معه قبر توبة فقال لها: يا ليلى هذا قبر توبة الذي يقول فيك: ولو أن ليلى الاخيلية سلمت علي وفوقي جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح وقال الزوج شامتاً: ناديه حتى يجيبك كما زعم, قالت: اذهب عنك, فأبى وألح وحلف عليها أن تناديه, قال فاستعبرت , ثم نادت: يا توبة السلام عليك, ورحمك الله وبارك لك فيما صرت اليه, فإذا بطائر خرج من القبر, حتى ضرب صدرها, فشهقت وسقطت على راحلتها (ناقتها) فماتت, فدفنت الى جانب قبره, فنبتت على قبره شجرة, وعلى قبرها شجرة, فطالتا فالتفتا أغصانهما, بعضها ببعض, كما لو كان لقاء ما بعد الموت أشد وفاء لحب لم يكن فيه سوى ملامسة يد وسماع صوت ورؤية عن بعد... ثم كثير من شعرهما |
|