تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


د.جوزيف كلاس طبيباً ومؤرخاً

ثقافة
الخميس 18/9/2008
فادية مصارع

تخصص في القلب وبرع, فتميز بين أقرانه ,لكن عشقا للأدب ظل كامنا في أعماقه إلى أن ظهرت نزعته الجمالية وثقافته الموسوعة في خمسة مؤلفات ضخمة أغنى بها المكتبة العربية ,

واللافت أن شغف الأطباء بالأدب ظاهرة عالمية,لكن د. جوزيف كلاس كان واحدا من الأطباء القلائل في سورية الذين استهواهم الأدب ,وفي حديثنا عنه ومعه ربما نكشف بعضا من أسرار هذا العشق وكيف بدأ رحلته مع الكتابة .‏

طبيب استهواه الأدب‏

الحكاية كما رواها هو نفسه ,أنه وقبل خمسة وسبعين عاما ودرس الابتدائية باللغتين العربية والفرنسية ,وكان حينها يقرأ ما تيسر له من الكتب وظل مثابرا على قراءة الأدب وحفظ الشعر ,ومرت الأيام وفي مطلع الستينات سافر إلى فرنسا للاختصاص ,وهناك كان يرى الناس يقرؤون بنهم في الحدائق والمقاهي والحافلات ,الأمر الذي حرضه ليقرأ أكثر وأكثر ,ثم يكتب ما قرأ ويحتفظ به في مصنفات لا تزال موجودة في مكتبته حتى الآن ,ومع مرور السنين تجمعت لديه ذخيرة هامة من المعلومات في الطب والأدب والفلسفة والعلوم ,وإذا به من حيث لا يدري أمام مجموعات لابدمن تنقيتها وغربلتها وترتيبها لتصبح فيما بعد كتبا .‏

مسيرة الطب في الحضارات القديمة‏

الكتاب الأهم بين مؤلفاته كان بعنوان )مسيرة الطب في الحضارات القديمة (يذكر د. كلاس أن صديقه الراحل المؤرخ د. شاكر مصطفى وبعد الاجتماع التأسيسي لجمعية أصدقاء دمشق الذي جمعهما مع نخبة من الأدباء والأديبات ,مد يده إلى أحد هذه المصنفات وعددها واحد وعشرون ,الرقم الذي كان يتفاءل به المؤلف وسأله : لماذا أنت تارك هذه المصنف ? فأخذه وقرأه وقدم له أثناء أقامته القصيرة في دمشق وعنه يقول : (أوغل حيث شئت من هذا الكتاب ,فإنك واقع على طرائف ندر أن جمعت في تاريخ التطبيب والشفاء ,لا لأن الموضوع شيق فحسب ,ولكن لأن صاحبه جعله بثقافته الواسعة أكثر إثارة وألوانا ).‏

ففيه مزج الطب بتاريخ الحضارة .ومهد للعملية الطبية عند كل أمة بضربات سريعة من الخطوط أوجز فيها تطورها الحضاري. إذا حاول ملاحقة كل طب عرفه البشر بكل مكان ,وكل دواء .‏

الطبيب مؤرخا‏

لكن ..ما الذي يدفع طبيبا متميزا في تخصصه إلى التصدي للتاريخ والأدب ? ..سؤال طرحه أسعد صقر بعد قراءته الكتاب الذي صدر حديثا للدكتور كلاس وفيه يؤرخ للحياة السياسية في الوطن العربي أحداثها وأزمانها . من القرن الأول حتى الثالث عشر للهجرة .. وعليه يتساءل صقر : كيف تيسر لكاتب مهما دقت براعته وجلت موهبته , أو المؤرخ مهما أولي من غزارة العلم وثاقب النظر أن يحيط بثلاثة عشر قرنا من حياة أمة لعبت دورا على مسرح الحضارة أشبه بشهاب أضاء سماء المعمورة في أحقاب حالكة الظلمة .‏

وهل من سبيل إلى الإحاطة بكل ذلك في أقل من أربعمائة صفحة , ويأتي الجواب لمَ لا ود. كلاس كان واحدا من الشبان السوريين الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة والتخصص في فرنسا ,والإطلاع على أنماط الحياة في المجتمع الفرنسي الذي كان آنذاك واحة للفكر والفن والثقافة ,ثم العودة إلى الوطن ..لكنه بعد أن نهل من ثقافة الغرب لم ينبهر بمجتمعهم إلى الحد الذي ينسيه واجبه نحو وطنه ,وهو الذي تسنم مراكز قيادية في المجتمع السوري ,ومن هنا جاءت كتاباته لتندرج تحت دوافع التوعية واستنهاض همم الأجيال اللاحقة ,ونداء لجيل عربي شاب ليطلع ويتعظ ويفهم فيتمكن من الانتصار على الأوضاع الخطيرة التي تحيط به .‏

الفردوس المفقود‏

عاش عمره في دمشق المدينة التي أحب ,لكن الأندلس ظلت صدى أنشودة صدحت بها العرب قرونا وقد استعادها د. كلاس في كتابه الثالث على أنغام ناي حزين ,فما بين الفردوس المفقود والفردوس الآتي كما يقول د. أحمد برقاوي ,مسافة من الجحيم ,ومن الجحيم نطل على الفردوس البعيد البعيد . إنها التراجيديا ,ولكن خلف شاعرية العنوان أناشيد من الفردوس المفقود من العنوان الذي اختاره المؤلف, خلفه عقل وقاد أجاد التجوال في دورب الحضارة العربية الاندلسية,وحط على أزاهيرها ليعود حاملا سفرا موسوعيا في صفحات تجاوزت المئتين قليلا فاختصار قرون سبعة في كتاب جهد يحمد لصاحبه وتحمد قدرته على كشف الصوى الأساسية التي تميز الأدب والفلسفة .‏

وهو الكتاب الذي أهدى المؤلف نسخة منه للسيد الرئيس بشار الأسد قبل سفره إلى اسبانيا (أندلس العرب ) بأيام ,وقدلاقى استحسانا كبيرا لديه .‏

أسرار القلب‏

كيف كتب د. كلاس أدب القلب ?‏

للقلب حكايات ممتعة مع د. الاختصاصي بأمراضه وأوعيته الدموية ,فهو يرى أن موت الشعراء العذريين عبر التاريخ كان نتيجة نوبات قلبية ,ولذلك كثيراً ما نسمع مقولة (من الحب ماقتل ) الطبيب الأديب يربط بين القلب والقمر , خصوصا أن الفارق الزمني بين أول زراعة طبية للقلب ,ونزول أول إنسان على سطح القمر قصير جدا ,فحين فاجأ ترسيتيان برنار العالم بنبأ نجاح أول عملية زرع في قلب الإنسان آذار 1968 وكانت عمليته أول مداخلة جراحية من نوعها في تاريخ البشرية ,كان العالم أيضا يتناقل خبر أنباء نزول أول رائد فضاء على سطح القمر 1969 ,فكان التوقيت واحدا ,علماء غزوا أعالي السماء فبلغوا القمر ,وآخرون غزوا أعماق الجسم البشري فبلغوا شغاف القلب .‏

أما أول دقة قلب في تاريخ البشرية فيقول طبيب القلب : إنها كانت لأدم عليه السلام عند خلق الله سبحانه وتعالى له حواء وجمعهما في فردوسه ,وأول دقة قلب للإنسان يوم يولد حيا تضمه أمه إلى صدرها لترضعه .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية