تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أبو سامر وحفلة البالعة

سيرة الحب (58)
الخميس 18/9/2008
خطيب بدلة

لايمكن أن يتحول الشخص العادي ذو الملامح والطباع المحايدة إلى شخص كوميدي, فالشخصية الكوميدية فيها مطبات نفسية كثيرة, وصاحبها يعاني من سوء تفاهم كبير مع محيطه الاجتماعي, وهذا بدوره يؤدي إلى وجود ميول لديه تدعوه إلى انتقاد مايصدر عن المحيط الاجتماعي من تصرفات, وأحياناً يصل إلى حدود الاستهزاء من هذه التصرفات إذ يحولها إلى مادة (هزلية) تضحك الثكالى!.

أخونا وصديقنا (أبو سامر) مثلاً إنسان رقيق ومتحضر يعيش في وسط مكتظ بالرجال الخشنين, فكأنما هو قد خلق ليعيش في تلك البلاد المحظوظة التي لايعاني سكانها من أي مشكلة ثم جيء به, بالمصافة أو بالخطأ, ليعيش في بلدتنا الشمالية الصغيرة التي ياما حدثتكم عنها وعن فصولها الظريفة.‏

أبو سامر قلما يتكلم, وإذا تكلم لايرفع صوته, لأن الذين يتحدثون بصوت مرتفع برأيه إما طرشان, وإما يعتقدون أنهم موجودون في بازار الجحاش في فترة الازدحام الأعظمي حينما يختلط صوت النهيق بأصوات الباعة الذين يرغبون في بيع مالديهم من (بضائع) قبل أن ينفض البازار, ولاسيما أن هذا النوع من البازارات ينفض على نحو مبكر, بدليل مايقال في الكلام الدارج:‏

-فلان صحبته مثل بازار الجحاش: تنفرط بسرعة!.‏

وأما شلة الأصدقاء التي تحيط بأبي سامر فإنهم أشخاص يتمتعون بقدر كبير من حس الفكاهة والمقدرة على صناعة المقالب الكوميدية الرائعة, وهم يحبونه حباً جماً, ولايستطيعون العيش من دونه زمناً يزيد على نصف يوم, أو نصف نهار, وهم يجدون في شخصيته مادة ممتازة لصنع الفكاهة والمقالب, فبمجرد مايجتمع أبو سامر مع رجال ممن اصطلح على تسميتهم ( الخشاين) يبدأ التناقض بين الطرفين بالظهور, وتبدأ الكوميديا بالصدور عن الموقف ذاته, من حيث لايتوقع المرء ولا يحتسب.‏

ومن المطبات التي لايمكن تخطيها في شخصية أبي سامر أنه يحب غناء السيدة أم كلثوم حباً مرضياً لايمكن الاستشفاء منه ولاحتى بالجراحة, وهو لايحب أم كلثوم كلها, بل أغانيها القديمة, وبالأخص التي لحنها رياض السنباطي وبعض الأغاني التي لحنها محمد القصبجي, وأنت عمري لمحمد عبد الوهاب, وسيرة الحب لبليغ حمدي فقط.‏

وكان أبو سامريحمل بيده حقيبة صغيرة يضع فيها بعض أشرطة أغاني أم كلثوم التي يحبها, وذلك لكيلا يضطر إلى الاستماع إلى أغان سيئة حينما يلتقي في مجلس ما مع الرجال ( الخشاين) الذين تناقصت لديهم حساسة الذوق الفني حتى وصلوا إلى مستوى الصفر, أي جلسوا على الأرض , وبقيت هذه الحاسة تتناقص رغم بلوغها الصفر حتى نزل أصحابها إلى مادون الصفر,أي إلى المرحلة التي استعار لها أبو سامر من العربية الفصيحة كلمة مناسبة هي: الإسفاف.‏

ذات مرة استطاع أفراد الشلة استدراج أبي سامر إلى سهرة في مضافة يمتلكها العكيد الملقب بأبي الزيد المهلهل, وبمجرد ماجلس في جانب من المضافة وقع بصره على نسق من الأراكيل مصفوفة على المصطبة, وفي الصدر سجادة قديمة عليها صورة عنترة بن شداد وفوقها مجموعة من السيوف المعلقة على نحو متعاكس تتخللها صور لرجال ذوي شنبات تستطيع الطيور الجارحة أن تقف عليها في وضعية توحي بالارتياح, وفي مكان قريب من العتبة رأى مسجلة بأربعة بافلات سرعان ما أوضح له أبو الزير أن المحروس ابنه (هلال) قد أحضرها معه من بيروت.‏

استغل أبو سامر الفرصة وقال له وهو يخرج كاسيتاته من الحقيبة:‏

-مادام هيك, خلونا نسمع شيء لأم كلثوم.‏

فنظر إليه أبوالزير باستخفاف وقال له:‏

-لاتواخذني يا أبو سامر أيام أم كلثوم الله يرحمها ولت, وأنا بصراحة من يوم يومي, لا أحبها, الآن سأسمعك وصلة أغان للمطرب (فلان الفلاني) غناها في حفلة قرية( البالعة).‏

وسرعان ماوضع كاسيتاً انطلق منه صوت مطرب شبهه أبو سامر فيما بعد بصوت طرطيرة مخصصة لبيع أسطوانات الغاز!.‏

ولكنه لم يقل ذلك لأبي الزير, بل التفت نحوه وهمس له بجدية تامة:‏

- أنا أرى أن تسجل هذا الشريط على عدة نسخ وتخبئها في أماكن آمنة, فلربما ضاعت منك النسخة الأصلية, ووقتها ستحرم أنت والذين تحبهم من نعمة الاستماع إلى هذا الصوت ال.. ال.. الفظيع!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية