|
ساخرة وكيف استطاع هذا النسيج الكاذب, من القصص الملفقة, أن يعتمد طوال قرون, من أيام صلاح الدين الأيوبي حتى الآن. .. وإنما يبدو طابع التلفيق والمبالغة في هذه الحكاية التي يسوقها بن مماتى, فإن قره قوش لا يبدو فيها أحمق فحسب, بل نسّاء عجيب النسيان, مما يُستغرب من رجل ترقى في المراتب العسكرية حتى بلغ مرتبة الإمارة, وأشاد الحصون والأسوار, مهندساً عبقرياً. تسجن ابنها وتندم! يقول ابن مماتى: قيل: إن امرأة أتت بولدها إلى قره قوش فقالت: - ياسيدي بهاء الدين.. إن ولدي يشتمني. فأمر بحبسه سنة. فلم تذق أمه تلك الليلة طعم النوم, فلما أصبحت راحت إلى السجانين وقالت: - ماالحيلة في خلاص ولدي من هذا الحبس? فقالوا لها: - هاتي حلاوتنا ونعرّفك إيش تقولين للأمير بهاء الدين قره قوش.(1) فدفعت إليهم النقود وقالوا لها: - روحي الساعة إلى الأمير وقولي له: - ياسيدي, أنا امرأة حبست لي ولدي سنة كاملة, ,قد انقضت السنة فأخرج لي ولدي من الحبس. فأتت المرأة إلى الأمير قره قوش, وقالت له ذلك, فقال لها: - روحي الآن, فلا جدال في أنه قد بقي له من السنة سبعة أيام سوى أمس والغد. ياامرأة: حتى تغرب الشمس فمضت المرأة وأعلمت السجانين, فقالوا لها: - هذه نعمة. فإذا كان الغد فروحي إليه وقولي له: قد انقضت سبعة الأيام. .. فأصبحت المرأة وجاءت إلى قره قوش, فلما نظر إليها قال: - ياامرأة.. حتى تغرب الشمس. ياغلام! إذا غربت الشمس فأطلق لها ولدها من الحبس. ولا ترجعي تجيبيه, أو يحبسوه سنتين.(2) قره قوش, في السباق ..أما الحكاية التالية, فإن قره قوش يبدو فيها مغفلاً شديد الحماقة, فقد قيل: - وهكذا يورد ابن مماتى حكاياته بهذه الصيغة: قيل -إن قره قوش سابق رجلاً بفرس له, فسبقه الرجل بفرسه, فحلف قره قوش أن لا يعلف الرجل فرسه ثلاثة أيام, فقال له: - أخشى يامولاي أن تموت الفرس?! فقال له قره قوش: - احلف لي إنك إذا علفتها ياهذا لا تُعلمها أنني دريت بذلك? فحلف له الرجل, وأعطى العلف للفرس. (3) أي خيال مغرب.. عند ابن مماتى ? إن المرء لا يملك وهو يتصفح الحكايات التي وضعها ابن مماتي في كتابه إلا أن يتساءل: ترى, أي خيال مغرب أوتيه هذا الكاتب, حتى استطاع أن يبتكر هذه الأخبار التي يصعب كثيراً تصديقها عن قره قوش? وهل يمكن لإنسان أخرق أحمق إلى الحد الذي تصوره تلك الحكايات, أن يحقق تلك الإنجازات الهندسية المدهشة في مدينة القاهرة.. وحولها.. من قلاع وحصون وأسوار?! وقره قوش قبل هذا وذاك, هو ذلك الظالم الذي لا يميز بين الحق والباطل, رغم أنهما في الحكايات واضحان متميزان تميز النهار من الليل, وهو ذلك القاضي الذي يفصل القضايا لصالح من يأتي إليه أولاً, لا فرق عنده بين أن يكون ظالماً أو مظلوماً. اتركوا الحداد واشنقوا القفاص إن ابن مماتى يذكر أن غلاماً لقره قوش كان يشتغل عنده (ركابدار) أي (بيطار), وقد قتل هذا الغلام نفساً, فقال: اشنقوه! فقيل له: إنه حدادك وينعل لك الفرس, فإن شنقته خسرته ولم تجد غيره. فنظر قره قوش ناحية بابه, فوجد رجلاً قفاصاً, أي: صانع أقفاص, فقال: ليس لنا بهذا القفاص حاجة. فلما أتوه به قال: اشنقوا القفاص, واتركوا الحداد.. لكي ينعل لنا الفرس.(4) الهوامش : 1-الفاشوش في حكم قره قوش - تأليف: ابن مماتى- كاتب المقدمة مجهول -المكتبة الحديثة بيروت-ص9 2-المصدر نفسه ص10 3- المصدر نفسه ص11 4- المصدر السابق ص12 |
|