|
دراسات أما عن الأعداد التي سقطت فحدث ولاحرج, فمنذ فترة بسيطة ارتكبت القوات الأميركية مجزرة أدت إلى مقتل ما لايقل عن تسعين مدنياً, والرقم موثق من قبل الأمم المتحدة, والسلطات الإدارية في العاصمة( كابول) وتوثيق الرقم هو الذي حرك مايمكن الاصطلاح على تسميته ضمير أحد القادة العسكريين الأميركيين, فأصدر أوامره بإجراء تحقيق في ملابسات المجزرة, وهي ناتجة عن القصف العشوائي الذي لجأت إليه القوات الأميركية التي باتت ترى أشباح (طالبان) في الطعام والشراب والهواء, وليس أمامها من سبيل للتخلص من كوابيس (طالبان) إلا تشغيل مطاحن القصف المجنون وليصب بنارها من يصاب ولابأس من ألا ينجو من حممها أحد. ولأن الخوف يملي على القوات الأميركية كل خطوة تقوم بها لبسط هيمنتها على الأراضي الأفغانية, فقد غدت عاجزة عن تأمين طيارين حربيين يملكون ذرات محدودة جداً من الشجاعة التي تتيح لهم امتطاء صهوة الطائرة لتنفيذ قصف الأهداف المطلوب قصفها, وهذه الأهداف كما اتضح من خلال رصدها ولاسيما في الآونة الأخيرة قد تكون منازل آهلة بالسكن أو قطعاناً من الأنعام, أو أسواقاً تجارية مكتظة بأولئك الباحثين عن لقمة العيش, تلك اللقمة التي يصر الأميركي (ناشر الديمقراطية) على جعلها مغموسة بالدم وركوب الأهوال والمقامرة بالحياة!. هذا العجز الناجم عن الخوف دفع القادة الميدانيين الأميركيين إلى الاتكال على الطائرات التي تحلق بلا طيارين, ومن أين سيأتي القادة بأولئك الطيارين القادرين على قيادة الطائرات الحربية الأميركية بقلوب اقتلع الرعب شرايينها وأوردتها?. أما الإنجازات التي سجلتها تلك الطائرات فتكفل حفر أسماء القادة الأميركيين بحروف مضيئة بسواد الجريمة وقار التخلي عن القطرة الأخيرة من قطرات الإنسانية. ولا بأس بالتذكيربتلك الإنجازات, فاليوم مثلاً يهوي منزل بائس, كل ذنب المقيمين فيه أنهم اختاروا تشييده قرب مدرسة دينية, والمدرسة الدينية في أفغانستان مصطلح تملك الإدارة الأميركية وحدها حق تفسيره وإضافة الشروح عليه, وقد سجلت براءة اختراع باسمها في هذا الميدان, وهذا المصطلح يعني أن كل مدرسة دينية هي (مدجنة) قادرة على تفريخ الكم الهائل من الطلبة الذين نذروا أنفسهم لقتال القوات الأميركية وقوات حلف النيتو الموجودة على الأراضي الأفغانية, وهذه (المدجنة) تنقل العدوى إلى الدول المجاورة وبشكل خاص باكستان, لذلك كان من الطبيعي أن تلقي الإدارة الأميركية بثقلها لدفع السلطات الباكستانية لإغلاق المدارس الدينية فوق أراضيها وترحيل الطلبة الأجانب الدارسين في هذه المدارس. ونمضي مع سجل الإنجازات الذي سيكون غداً مزيداً من الغارات الحاقدة على إقليم (وزير ستان) الحدودي, والنتيجة تشبه النتائج التي سبقتها, ويمكن التكهن بها منذ الساعة, وهي أعداد جديدة من الضحايا البريئين ولجان تحقيق قد تتحرك ضمائر أصحابها فإذا بهم يقررون توجيه العتاب لا اللوم لأولئك الجنود الأميركيين القتلة, ثم سرعان مايشعر موجهو العتاب أنهم تسرعوا بتوجيهه للجنود الذين لايستحقون مثل هذا العقاب القاسي. أما الأمم المتحدة فتشعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها كلما سقطت أعداد جديدة من الضحايا المدنيين, فتراها تسرع للتأكد من أعداد الضحايا, ويعلن الناطق باسم بعثتها (أدريان أدواردز) أن الأمم المتحدة متأكدة من النتائج التي توصلت إليها, لكن هذا التأكد يتعلق بعدوان واحد, فهو تأكد سريع التبخر لأن الصواريخ الأميركية جاهزة كل لحظة للسقوط على رؤوس المدنيين وحصد المزيد من القتلى والجرحى وتدمير البيوت والمنشآت الآمنة في كل مكان تعتقد القوات الأميركية أنه قد يكون ملاذاً آمناً لما تبقى من قوات (طالبان). وسيتناسب معدل القصف الأميركي تناسباًطردياً مع معدل انكماش المساحات التي تسيطر عليها السلطات الأفغانية في كابول, هذه المساحة التي يزيد انكماشها يوماً بعد يوم مقابل مساحات جديدة تسقط في قبضة (طالبان), وسيكون هناك تحقيقات جديدة تدين القوات الأميركية ثم تبادر إلى سحب الإدانة. الخوف هو الدافع الأساسي للهجمات العشوائية الأميركية, وهو خوف ناجم عن إدراك عمق الهوة السحيقة التي وجدت القوات الأميركية نفسها مطروحة فيها بعد أن اعتقدت أن الإقامة في أفغانستان ستكون محفوفة بالورود والرياحين, وهذا الخوف سيبقى حتى بعد رحيل القوات الأميركية عن أفغانستان لأنه باختصار الخوف الأميركي الذي لايزول. |
|