تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موراتينوس ...القاعدة الممكنة للسلام

دراسات
الخميس 18/9/2008
بقلم الدكتور فايز عز الدين

تشهد المنطقة العربية -في هذه الأيام- نشاطات دبلوماسية مكثفة تتعلق بما يُطلق عليه عملية التقدم نحو السلام, ومن اللافت في تصريحات المعنيين الذين زاروا المنطقة ومنهم سولانا الذي قال:

إن زيارته للمنطقة كانت للاطلاع على الأوضاع, والموقف العربي قبل التوجه إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية هذا الشهر معرباً عن تفاؤله بإحداث شيء من التقدم في عملية السلام التي يجب أن تكون شاملة -على حد قوله- ومؤكداً التزام الاتحاد الأوروبي بالتحرك لدعم هذه العملية, وأنهى السيد سولانا حديثه بالتشديد على ضرورة التحرك بشكل عملي لدعم التسوية لأن أجواء المنطقة -كما صرّح- أفضل مما كانت عليه في وقت سابق.‏

وهذا هو السيد ميغل إنخل موراتينوس وزير الخارجية الإسباني قد بدأ جولته في المنطقة من مصر وتشمل الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة, و(إسرائيل) لتنتهي اليوم في سورية وفي برنامجه, العمل على إحياء عملية السلام في المنطقة والمساعدة في جهود التوصل إلى حل شامل وسلمي يحقق الاستقرار لشعوبها -كما قال- ويدفع بعملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وفي تصريح أكد السيد موراتينوس أن الوقت قد حان لبذل مزيد من الجهود للتوصل إلى حل في أقرب وقت ممكن يكون عادلاً وشاملاً ومقبولاً من الأطراف كافة, وأضاف إن إيجاد قاعدة يمكن البناء عليها من أجل التوصل إلى السلام أفضل حل في حال عدم التوصل إلى اتفاق سريع.‏

وفي سياق حديثه انتقد السيد موراتينوس استمرار الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة, وطالب (إسرائيل) بوقف استيطانها الذي يعترض طريق السلام. وأنهى حديثه بإظهار دعم إسبانيا للسلام في المنطقة, وإلى دعم بعض الملفات الإقليمية أيضاً ومنها الملف اللبناني.‏

وفي مؤتمره الصحفي بعد لقائه السيد خافيير سولانا المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي قال السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية: إنه قد أبلغ السيد سولانا أن مبادرة السلام العربية وثيقة مهمة تشكل الموقف العربي, وقد أوضح السيد موسى قناعته بهبوط حماسة الاتحاد الأوروبي, وتراجعه عن دوره المنوط به في إحياء عملية السلام في المنطقة, ولاسيما في إطار وعد الرئيس بوش فيما يتعلق بالعام 2008 بقيام الدولة الفلسطينية, وفيما يتعلق بنتائج مؤتمر أنابوليس التي -كما يراها موسى- ذهبت أدراج الرياح, واختتم السيد موسى مؤتمره الصحفي بأنه لا يوجد تفاؤل كبير بحل مقبول للصراع العربي الإسرائيلي, والإيفاء بالوعود.‏

وفي قراءتنا لهذه النشاطات الدبلوماسية, والزيارات الاطلاعية على أوضاعنا هل يتبادر لنا سؤال قديم جديد لا يزال ممكناً طرحه, ومفاده أن مثل هذه الزيارات التي كم تكررت إلى المنطقة, ومثل هذه الأهداف للزيارات نفسها كم أعلنت وأعلن معها قناعة السادة الممثلين الدوليين بأن (إسرائيل) باستيطانها المتواصل, وباستخدامها للقوة الجائرة بحق الشعب المقاوم الأعزل لا تسهّل الطريق إلى السلام, وهي المسبب الدائم بكل عرقلة للتقدم نحو هذه العملية. وما زال التعنت الإسرائيلي والاستكبار يبذل أقصى الجهود لمنع مساهمة روسيا, والاتحاد الأوروبي, والأمم المتحدة في عملية السلام, أي إلغاء ثلاثة أطراف من الرباعية التي كلّفت الحل, فإذا كان هذا هو الموقف الإسرائيلي الدائم فهل سيبقى أمام جهود السادة الذي يمثلون الاتحاد الأوروبي, أو الأمم المتحدة, أو حتى بلدانهم ذات الشأن في عملية السلام كإسبانيا مثلاً -التي انعقد فيها مؤتمر مدريد للسلام وفق المبادرة الأميركية في تشرين الأول 1991- نعم هل سيبقى أي أمل حقيقي بالسلام?!!‏

إذا أخذنا بتصريحات السيد عمرو موسى فهو واضح القناعة بعدم التفاؤل, وإذا أخذنا بطبيعة (إسرائيل) فقد وصفها السيد الرئيس بشار الأسد بأنها ليست أهلاً للثقة في كل ما يتعلق بعملية السلام, وما كانت المفاوضات غير المباشرة بين سورية و(إسرائيل) -كما أكد السيد الرئيس بشار الأسد- إلا لاختبار المصداقية, ولتفحص فيما إذا كان لدى (إسرائيل) إرادة سلام في مثل هذه الأيام, مع أن تاريخها لا يوحي بأنها تمتلك مثل هذه الإرادة.‏

وبناء عليه نجد أن البنية العنصرية الاستيطانية, الارهابية (لإسرائيل) دائماً تحاول أن تحتوي الجهود الدولية الفاعلة بخصوص عملية السلام, وتجهضها بالنهاية. ودائماً تسعى لأن تكون هذه العملية محصورة بأميركا فقط, ودائماً تسعى لأن يكون سلاماً عادلاً وشاملاً. ودائماً تسعى لأن لا تُجبر بالعودة عن كافة الأراضي التي احتلتها بعد الخامس من حزيران 1967. وهي -بكل هذا- تعلن رفضها للقرارات الدولية, ذات الصلة, وتعلن رفضها لإرادة المجتمع الدولي, وهي بالنتيجة تعلن رفضها لأي قاعدة يمكن البناء عليها.‏

وعليه فإنه بإمكان المحلل والباحث, والمؤرخ أن يستبق الموقف ويقول للسيد موراتينوس إن (إسرائيل) لا تحترم إرادة المخلصين في العالم للوصول إلى حل عادل وشامل. وليس في مشروعها الصهيوني ما نسميه (إحقاق الحقوق التاريخية) كما أنه ليس بحسابها الجيوسياسي التعايش بسلام مع دول المنطقة, ولذا نراها ترفض أن يملك أحد من العرب والمسلمين أي قوة عسكرية, أو اقتصادية, أو حتى ثقافية لتظل عامل إضعاف, وتخريب وإعادة جوارها إلى مربع التحالف الدائم, وما فعلته بالمفاعل النووي العراقي, أو ما تفعله بالملف النووي الإيراني يؤكد أنها لا تتقبل أن يمتلك العرب والمسلمون القوة, وهي التي تضع مجالها الحيوي لأبعد من باكستان, والحبشة والمحيط الأطلسي.‏

من كل ما تقدم نقول للسادة القادمين إلينا, ونواياهم مخلصة بإحياء عملية السلام, وإيجاد قاعدة يمكن البناء عليها: إن )إسرائيل( وحدها هي المشكلة بمكوناتها العنصرية المعروفة, وإن الدعم والإنحياز اللامحدود لها من قبل أميركا هو الذي يشجعها على هذه الغطرسة.‏

ولكي ندلل على حقيقة )إسرائيل( بأنها لن تستجيب لقاعدة للسلام يمكن البناء عليها, فهذا هو مسؤول أميركي يتوقع قيام )إسرائيل( بضرب إيران قبل تسلّم الرئيس الأميركي الجديد منصبه. وقال كبير العاملين الأميركيين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن (أولفييه غيتا) لصحيفة ميدل إيست تايم, وللسياسة الكويتية كذلك:(المتداول حالياً لم يعد ما إذا كانت إسرائيل ستضرب أم لا, بل متى سيكون الهجوم?) وتوقع غيتا أن الفترة المناسبة للضربة هي بين 4 تشرين الثاني المقبل (أي موعد الانتخابات الأميركية) و20 كانون الثاني 2009 (أي موعد تسلم الرئيس الجديد) فحين يكون الحديث في أميركا عن الضربة لإيران فهل يعتقد السيد موراتينوس أن (إسرائيل) تسعى من أجل إحياء العملية السلمية, أم هي تصعّد التوتر, وتنسف الاستقرار, والأمن لكل دول المنطقة حتى تورط أميركا معها في حرب ضد إيران, وهذه الحرب هل سيتقي خطرها العرب? هذا ما سنضعه في رسم الإجابة عند السيد موراتينوس ضيف سورية الصامدة اليوم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية