|
ثقافة كل أحلامي هباء كل أحلامي دم مسفوح عبر الشوارع يجري طليقاً، يختلط بدم المسالخ أرقب أحلامي الغثة عبر الشوارع ترقد عند حضيض الهضاب ولا يدفعه شعوره بالنفي والغربة وتهميش الزنوج في الغرب، إلى أي حقد إطلاقاً. هو يعلم أن الثقافة الغربية متفسخة ومتعالية وأنانية، ولكنه يعالج هذا التفسخ وذاك التعالي بتأكيد القيم الثقافية من خلال الأدب والتأكيد على الأصالة الأفريقية والتغني بالأجداد وبجمال أفريقيا.
يقول سنغور في مجموعة قصائد (أغاني الظلال) مخاطباً الغربيين والأفارقة معاً: أيها الأموات الذين رفضوا الموت دوماً يا من قارعوا الموت من الساين (نهر سنغالي) إلى السين (نهر في فرنسا) إلى أخوتي ذوي العيون الزرق إليهم ذوي الأيادي الغضة سنغور أيضاً متطرف في التغني بالجمال الأسود وبالمرأة السوداء، متطرف في الإطراء على جمال قريته إليسا وعلى عادات قبيلته سيرير، هو يحتفي بحبيبته (نايت) السنغالية فيغني: سأهتف باسمك يا نايت، سأخاطبك يا نايت إن اسمك رهيف كالقرفة اسمك يا نايت هو الصفاء المعسول لأشجار القهوة المزهرة.. واسمك يشبه أعشاب السافانا التي تزهو بفحولة شمس الظهيرة يا قطعة ذهب يا فحمة وهّاجة أنت ليلي أنت شمسي يا لروعة هذا الشعر. يا لجمال الصورة (يا فحمة وهّاجة). هو ليس بالشعر الأبيض فعلاً، إنه شعر زنجي رائع ويسرق وهجه من الشمس. إنه يصدم بقوة. نقرأ في كتاب (الشعر الأفريقي المعاصر) أن سنغور المتهم بعقد زواج حب مع فرنسا، لا يرى حرجاً في أن يقول عن أوروبا: «إنها التي نرتبط بها بحبل سري»، وهذا ما جعل كاتب سيرته (أرماند كبير) يقول: «إنه يجمع في إعجاب واحد بين كلوديل والشعراء الجوالين الأفارقة، وبين سان جون بيرس والشعراء الموسيقيين الأمريكيين. فقد عرف كيف يتجاوز الصعوبات بفضل ثقافته المزدوجة التي ضمنت له السمو والثبات». ولد سنغور عام 1906 في السنغال وذهب في السادسة عشرة إلى باريس وحصل على شهادة التبريز عام 1935. سجن أثناء الحرب العالمية الثانية لمدة عامين، وبعد خروجه عام 1942 شارك في المقاومة السرية ضد الاحتلال الألماني. وفي عام 1945 ظهرت مجموعته الشعرية الأولى (أغاني الظلال) وانتخب في المجلس التشريعي كنائب عن السنغال، وأصبح فيما بعد مدير ديوان في وزارة، ثم وزيراً، قبل أن يصبح سنة 1961 رئيساً لدولة السنغال، وبقي حتى استقالته واعتزاله السياسة عام 1980. وتوفي عام 2001. يذكر كل من الكاتبين ك. إي سينانو وت. فانسانت في كتابهما (مختارات من الشعر الأفريقي) أن شعر سنغور يدور في جزء منه حول الاحتجاج والثورة، ولكن شعره الثوري هذا لا ينبذ الآخر ويجعله عدواً، بل يتوخى تدعيم مجتمع جديد تنصهر فيه القيم الإنسانية السامية الأفريقية والغربية. هو يؤمن بأن الألوان مجرد أقنعة لا يمكنها أن تفرق البشر. في قصيدة (باريس تحت الثلج) يقول: الأيدي البيضاء التي أطلقت الرصاصات ودمرت الإمبراطوريات الأيدي التي ألهبت ظهور العبيد بالسياط وأدمت جلودكم الأيدي البيضاء التي حطمت الغابة العالية التي تهيمن على أفريقيا وسط أفريقيا إن الجمال الأفريقي يصيب الإنسان في الصميم، بدءاً من جمال المرأة والطبيعة، وانتهاء بجمال الأساطير والحكايات والشعر. إنه جمال خالص، وهذا يكفي. |
|