تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية و تركيا ..نحو تعاون إقليمي في قلب متغيرات استراتيجية

شؤون سياسية
الخميس 25/10/2007
ميخائيل عوض*

حققت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لتركيا , و ما جرى خلالها , و ما صدر عن الفرقاء , مؤشرا لتحول نوعي غير مسبوق في توازن القوى و في مسارات الأحداث الجارية في قلب العالم و مدخله , بلاد الشام و الرافدين .

كما تقاطعت الزيارة الحدث , مع نتائج قمة بحر قزوين , وزيارة الرئيس الروسي بوتين لإيران و ما أعلنه و ما تبع إعلانه من تحولات خاصة في العلاقة بين موسكو وواشنطن و اوروبا , و ما كرسه بيان قمة قزوين من متغيرات جوهرية في اتجاهات توازن القوى الدولي و الإقليمي في منطقة حاسمة تجاري في أهميتها قلب العالم قصدنا آسيا الوسطى و بحر قزوين حيث كانت مع منطقة العرب محط اهتمام و مؤامرات بوش و غزواته الأخيرة .‏

الخبراء الاستراتيجيون أكثروا في الفترة الأخيرة القراءة بالحدثين و ما يعكسانه من متغيرات في البيئة الإستراتيجية للتوازنات , و لمسارات الأحداث المرتقبة , خاصة و أن الساحات الملتهبة , التي تجري فيها معارك اختبار القوة بين القوى الإقليمية و الدولية تمتد من أفغانستان و قد صارت باكستان ساحة إضافية إلى بغداد , فبيروت و القدس , و قد صارت أيضا اليمن بعد الصومال ساحة متفجرة , وخلص غالبية المتابعين إلى نتيجة جوهرية تجزم بأن حلفا عميقا استراتيجيا يتأسس على قاعدة تقاطع المصالح , و مواجهة العدو المشترك يترسخ بامتداد جغرافي و كثافة سكانية و موقع حاكم ,و موارد طبيعية عظيمة , وأسواق و قوة مالية وازنة في الاقتصاد العالمي , تتحدد جغرافيته , غرباً العريش غزة , و شمالاً أنقرة , و شرقاً يمتد عبر دمشق و بغداد الى طهران فموسكو.‏

الحلف الجاري تشكله , على هذا النحو , كان حلما لأمم و شعوب المنطقة منذ قرون خلت , فالمنطقة المشغولة أبدا في صناعة الحضارات و تصعيد أو إسقاط الإمبراطوريات , تمثل في واقعها امتداداً جغرافيا متصلا بلا انقطاعات , و شكلت على مدى تاريخ البشرية امتداداً واتصالا بشريا و تجاريا اقتصاديا سمي بطريق الحرير , و تشكلت على تأثيرات الجغرافيا , و التجارة كبيئة انتربيولوجية منسجمة بما في ذلك آليات التفكير , و مرتكزات العقائد و حدود الاجتماع و قيم الحياة .‏

حلم طالما راود حركات التحرر العربية و الإسلامية والعالمية , و طالما عمل له العقلاء بيد أن التاريخ لم ينصفهم و لم يلبِ طلبهم و طموحهم بسبب متغيراته العالمية , خلال القرنين المنصرمين منذ منتصف القرن الثامن عشر حيث تقدم الغرب الأطلسي و احتل موقع الصدارة بدل آسيا.التاريخ يستدرج التطورات مرة ثانية و يعرج في سلسلة بنائه الحضاري و يميل إلى العودة مرة أخرى لأسطورة آسيا و دورها الحاسم في تاريخ البشرية و متغيراتها .‏

هذه المرة تختلف عن سوابقها في أشياء كثيرة و تتقاطع معها مع أعمدة و عناصر ثابتة في تاريخ المنطقة و حاضرها , فتتفق على أن العرب هم قلب المسلمين , ورواد الحضارات و الأديان , وفي بيئاتهم , و في ساحاتهم يجري تغيير العالم و توازناته , و على أرضهم تدور المعارك الحاسمة في بداية القرن الواحد و العشرين كما في السنوات الأخيرة للقرن السابق , ففي بيروت كانت أولى انتصارات التاريخ الجديد مع هزيمة إسرائيل و انسحابها دون قيد أو شرط ,وفي غزة و الضفة تجري عملية استنزاف منظمة و متعاظمة للكيان الصهيوني الذي شكل الأداة الأكثر فاعلية لنصف قرن مضى , و تسجل انتصارات بمثابة إشارات عما سيكون في الغد القريب , و في بغداد يجري استنزاف أعتى إمبراطورية في الكون و في دمشق تم إسقاط تحالف أقوى ,إمبراطوريتين في التاريخ عندما فشلتا في لي ذراع سورية من البوابة البيروتية , أو من البوابة البغدادية , كما في أفغانستان يلعب العرب و قضاياهم الدور الأبرز و الأهم كذلك في الصومال و امتداداً في الساحات المتفجرة أو التي تقترب من نار التفجير إلى إفريقيا القارة السمراء التي تحولت بسبب فشل الغرب في المنطقة العربية و الإسلامية لتكون محط الاهتمام الأو ل بسبب نفطها و موقعها غير أن إفريقيا تعرف , و العرب يعرفون و العالم يدرك أنها متفاعلة مع قضايا العرب و لن يحررها سوى العرب على ما فعلوه أيام المسيحية الأولى , و الإسلام الأول , و في عهد نهوض حركة التحرر العربية بقيادة جمال عبد الناصر و الثورة الجزائرية و اليمنية .‏

العالم يتغيير هذه حقيقة الأحداث الجارية , يعرفها كل ذي بصيرة و عقل , و يمكن لأي عقل متابع أن يثبت منها و يحزم أمره .‏

الزيارة حدث , و لحظة توليد و تظهير المتغيرات و التحولات المتعاظمة , فقد احتفي بالرئيس السوري على درجة لم تحصل لسواه , فعبر عنه ذلك بقوله في الزيارة السابقة أحسست أنني في بلد صديق أما اليوم فأنا في بيتي , و قد ترجمت تلك الأحاسيس و المصالح في فتح العلاقات على جديد يقارب الرغبة بين الدولتين و الشعبين للعودة إلى مرحلة ما قبل مؤامرات التقسيم و الشرذمة و قيل في الزيارة و على هامشها كلام من نوع : فتح المعابر , و الحدود , و تنشيط التبادل الاقتصادي و مضاعفته خلال عام , و عن تنقل رجال الأعمال و العلم بدون تأشيرات مسبقة , و عن العمل المشترك لإقامة سوق واحد تمتد على رقعة كبيرة من بحر قزوين إلى البحر الأسود فشواطىء المتوسط إلى الخليج العربي حيث خطوط نقل الثروات و أهمها النفط و الغاز , و خطوط الاتصال بين الشمال و الجنوب , والشرق و الغرب , حيث تتقاطع مصالح العالم و تتركز .‏

ماذا لو قامت هذه السوق ? و تمت حمايتها بمنظومة امن اقليمية ?وماذا لو نجحت الجهود في معالجة الأزمة العراقية و احتوائها ? و معالجة الأفغانية , و تثبتت أركان حلف اقليمي على هذه الرقعة و بهذا المستوى .‏

الجواب بكلمة واحدة يتغير اتجاه التاريخ , و يعود إلى مجاريه الحقيقية , فيعود العرب و المسلمون طليعة الأمم و مقدمتهم من اجل إقامة نظام عالمي من طابع جديد سمته التعاون و التفاعل , و الحوار , و الديمقراطية الدولية , بعيدا عن هيمنة زمرة من قادة الشركات المتعددة الجنسية , و زبانيتها في الإدارات التي تبنت و تتبنى الليبرالية المتوحشة على شاكلة إدارة بوش و آخر حباة عنقود الليبرالية المتصدعة ساركوزي.‏

العالم يتغير , البيئة الإقليمية تتغير , الغرب و مشاريعه تسرق و تهزم , ما هو جار في غير عاصمة و ساحة سيكون أيضا في بيروت الأيام القريبة القادمة شاهدا على ما نقول .‏

* كاتب لبناني‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية