تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محاضرة... بدوي الجبــل .. شــاعر العربيـة

ثقافة
السبت 28-11-2009م
متابعة: حكمات حمود

في شعر /بدوي الجبل/ تتجلى عبقرية اللغة العربية، ومخزون طاقاتها التعبيرية. تتجلى إشراقة الديباجة، ودويُّ المطالع، وصفاء الشعر العربي.

عنده تطل القصيدة الكلاسيكية الحديثة بوضوحها الذي يلفه ستر الجمال برمزيته الشرقية الخاصة. وعبر مقاطعها الشعرية بحنان قوافيها، وغنائيتها الرائعة، ببعدها النفسي والاجتماعي والفلسفي.. بسلاسة جملها الشعرية، وفنية مدماكها. وربطها بجسر القصيدة الحالم الممتد بين عبقرية المتنبي /الأصالة والتميز/ وبين الحاضر بحداثته الشعرية.‏

بهذا والكثير من غيره أطل بدوي الجبل وغاب لكن /شعره اليماني/ سيبقى لامعاً على جدار كعبة الشعر.‏

بدوي الجبل.. رحلة الشعر والإبداع. كان عنوان محاضرة الناقد والباحث -يوسف مصطفى- في مركز اليرموك الثقافي. حيث تناول الشاعر من خلال محورين اثنين:‏

- بنية النص الرثائي في شعر بدوي.‏

تناول الباحث هذا المحور من خلال قصيدة /بدعة الذّل/ في رثاء البطل الوطني إبراهيم هنانو. ومن أبياتها:‏

مُحيت أشهر الربيع فلا أيار‏

من دهرنا ولا نيسان‏

لا شقيق النعمان في غوطة الشام‏

ولا عطره ولا النعمان‏

حيث تتسع دائرة الموقع دائرة امتداد طيف /هنانو/ ليصبح جزءاً من أشهر السنة لا بل أجمل شهورها. وفي امتداد هنانو الوطني، حيث امتد الحزن مساحة الشام وتاريخها. وفي انتقالة رثائيةٍ رائعة يقول /بدوي/:‏

أنا أبكي الليل أوحشه البدر‏

والقلب هدَّه الحرمان‏

هنا يعود /البدوي/ للاشتغال التفصيلي على مكانة هنانو وعظمته. يبدع استحضارات صورية أخرى وتجليات قيمية رائعة.‏

ويختم البدوي خطابه /لهنانو/ واستحضاره القيمي:‏

أنت أقوى من المنايا وأقوى‏

من أذى الدهر فاستفق ياهنانو‏

هكذا تتدفق الحكم وتنساب في شعر بدوي الجبل/ تحمل أصالتها وعمق تجربتها وروعة انتمائها للأصيل والقيمي والوجداني.‏

لقد قدم بدوي الجبل في رثاء هنانو نمطاً رثائياً ملحمياً. حمل لغة جديدة وتطويراً جديداً ورائعاً.‏

كما حمل أمثالاً وحكماً وفلسفة في الحياة وسيرورتها، ومستوى في التكوين العاطفي والنفسي. قدم شعراً حمل الإباء، والقيم، والمروءة، والشجاعة وكل أشكال الاستحضار القيمي. إنها القصيدة الفكرية والفلسفية والوجدانية. إنه التطوير الأسلوبي والفني في التنويع الرثائي واشتغالاته. ارتقى النص الرثائي عند بدوي الجبل ليصبح نصاً إنسانياً له إطلالته الكونية. واستحضاره الإنساني.‏

- الخطاب الأنثوي في شعر بدوي الجبل:‏

وهذا هو المحور الثاني الذي تناوله الباحث والناقد يوسف مصطفى- من خلال قصيدة -شقراء- رائعة البدوي والتي كانت معلماً شعرياً في غزلياته. فيقول على لسان شقرائه وهي تخاطبه:‏

هدئ همومك عندي‏

على حيائي وصدّي‏

حور النعيم تمنت‏

نُعمى هواي ووجدي‏

هل عندهن رحيقي‏

وهل لديهن شهدي‏

يا ساكب الشعر خمراً‏

من شعر ربك خدي‏

في هذه القصيدة كان بدوي الجبل يعيش الغربة في سويسرا.. حيث البعاد عن الوطن والأهل والخلان والأصدقاء.. وهذه القصيدة محكمة بكل ما يحتاجه الغزل من أساليب وأدوات. من تمنع ودعوة للوصال والحنين والشوق، والحسد والغيرة والتحدي.‏

وبعد أن مرّ الباحث على جوانب القصيدة التفصيلية وعالجها بدقة مدهشة انتهى إلى القول:‏

لقد كان النص بمضمون خطابه العام عذرياً، ومقارباته معنوية روحية لا يبدو فيها الغزل المادي العضوي صريحاً. وهذا في تقديري مذهب فكري عند بدوي الجبل يتعلق بثقافته وموروثه وتربيته.‏

غلّف النص إشارات فلسفية اجتماعية: الغيرة، عشق الذات، التحدي، الوعد، أحلى من الوصال، كل موسيقا النص عذبة، كل ألفاظه ناعمة.‏

حملت قصيدة /شقراء/ خطاباً خاصاً غنياً بألوانه وأطيافه وآلية معالجاته. كما قدم رؤية في الحب والحياة.‏

ختاماً: عاش بدوي الجبل القلق وتقلب الأيام. غنى الوطن وأمجاده، كان شعره صدى تجربة الحياة وخلاصتها.‏

رحم الله بدوي الجبل وهو يرقد على تراب /السّلاطة/ خالد العبقرية الشعرية وأحد أعلامها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية