تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


معلبات .. بنكهة ثقافية

فضائيات
الأربعاء 4-8-2010م
لميس علي

 وكأنما هناك شبه تقنين ثقافي .. تمارسه فضائيات البث العربي .

 واقع تقنين يعني ترشيد استخدام .. وهو ما يفترض وجود استهلاك وصولاً لحدّ الاستهتار .‏

هنا .. الترشيد والتقنين وإن كانا في دائرة صيغ ( التفعيّل ) .. موجودان سلفاً ودون أدنى ( استهلاك ) .‏

إذاً هل تتوفّر المادة الثقافية وتفرض نفسها بقوة في زحمة وفوضى التلفزة المبثوثة على اختلاف أنواعها ومصادرها ..‏

قطعاً .. لا يخلو الأمر .. ولكن ما الهيئة التي تُقدّم بها .. ما القالب الذي تقولبت ضمنه فما عادت قادرة على التحرر منه والخروج عليه ..؟‏

غالباً .. لدى عرض برنامج .. انتبهوا .. كيف يُدرج تحت يافطة (النوع الثقافي) .. يُكبّل ضمن نوع مقسور ومقصور على هيئة إخراجية تعلّبه تعليباً ..‏

ما يُقدّم لنا علب استوديو مدهونة بقشرة ثقافية .. القشرة تأتي لجهة الأثر ، وليس من ناحية كم المعلومات والإضافات الثقافية المطروحة ضمن هذه العلب .‏

على العكس تماماً .. زمرة الضيوف وقبالتهم زمرة المقدّمين المحاورين .. ينشغلون باستعراض لعضلات الثقافة التي يمتلكها واحدهم .. كل منهم يشدّ البساط إليه ، وبساطهم لا يكاد يتّسع لهم .. فأين منه المتلقون ؟‏

لم يفطن القائمون على هذا النوع البرامجي .. إن متلقي اليوم لم يعد يكترث لوزن تسجّله تلك العضلات الثقافية ، بمقدار ما ينشد وينجذب للكيفية المعروضة عليه ..‏

هل فكّروا بالكيفية .. هل هناك من حاجة لوضع آليات لتسويق المنتج الثقافي مثله مثل أي منتج آخر ..‏

تسويقهم في هذا  المضمار يفتقر إلى ذهنيات منفتحة قادرة على نشر وبث تطعيمات ثقافية بطرق لا مباشرة .. النتيجة ستكون أكثر جدوى وصولاً إلى ذهن المتلقي .‏

يطمئنون إلى تلك العلب ( الأستوديو ) وينسون أنها بجدران تكتم أصواتهم وكذا أفكارهم عن نبض الحياة العفوي التلقائي .‏

برامج مثل : مثير للجدل ، مع بروين ، قريب جداً ، روافد .. والتي تفرز بالعنوان العريض تحت النوع الثقافي .. تسوّق للثقافة وكما لو أنها ( حفنة معلومات ونقاشات ) يتم ذرّها في وجه المتلقي . على الرغم من أن هذه البرامج تتسم بشيء من مرونة أكثر من أخرى غيرها فيها من الجمود ما ينفّر ويقشّعر .‏

عقلية الفضاء العربي لم تزل بعمومها تعمل على مبدأ الترهيب بدلاً من الترغيب ..‏

بالمقابل .. يمكن تخديم الثقافة وجعلها منشورة بالطول والعرض .. من خلال أكثر الفنون  إمتاعاً .‏

في الطرف الآخر من الكرة الأرضية .. سينمائياً .. يوسّعون أفق المعنى الثقافي .. يطعّمون أكثر وسائل الحياة رفاهيةً نفَساً وطعماً ثقافياً ..‏

على سبيل المثال : فيلم ( كازانوفا ) الذي كان ببطولة النجم العالمي ( هيث ليدجر ) .. يمكن التنبّه إلى الكيفية التي جاءت عبرها تفاصيله .. الأزياء ، هيئة الشعر ، العادات ، الأبنية .. كلها يتم الاشتغال عليها والعناية بها ، بحيث يصبح الفيلم وثيقة ثقافية عن القرن الثامن عشر الذي عاش فيه بطله .‏

والتساؤل : هل من فرق في التعاطي مع مفردات الثقافة بين هنا وهناك .. كيف يحدد مفهوم الثقافة قبل حتى تحديد آليات نشره ..    ‏

نحن نمشي وعلى ظهورنا علبنا الثقافية .. ننوء بحملها .. بجمودها .. بمباشرتها .. و عبوس شخوصها ..‏

الغريب .. إننا لا نقوى على مغادرة جدرانها نحو طرح ثقافي يتشبّع بحيوية الفكرة .. و لا يفتقد حرارة اليومي المعاش ..‏

نبقى نطمئن لمعلّبات بنكهة ثقافية .. دون حتى أن ننظر إلى تاريخ الصلاحية .. وإن حصل وسوّقنا يظل تسويقاً بأدوات محنّطة ..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية