|
افتتاحية فالمؤكد أن الخطوة الأميركية لم تكن خارج سياق المقاربة التي تنتهجها الإدارة الحالية، بحكم أن المنهج الذي يحكم الخطاب الأميركي يكاد يكرر نفسه، ويجترّ المصطلح ذاته، حين تنسحب من المعاهدات لتتبعها بالدعوة إلى عقد معاهدة أو اتفاق جديد يحسّن من الشروط الأميركية، وهو ما يوصف بالمقاربة الخاطئة لاعتبارات تتعلق بالسلوك الأميركي ذاته. في المبدأ لا أحد يلغي معاهدة قائمة، ويباشر في البحث عن اتفاق على معاهدة جديدة، وكل ما يقال تحت هذا العنوان يبقى ذراً للرماد في العيون، ومحاولة تسويف مفضوحة، وفي الأبعاد ثمة خفايا وأهداف غير معلنة تحكم ممارسات إدارة ترامب على نحو صارخ، وتشي بالرغبة في الانقلاب على كثير مما ذهبت إليه الإدارات السابقة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بتحديد سقوف توظيف فائض القوة الأميركية وإرهاصاتها المتعددة. والأخطر أن جميع الخطوات الأميركية تنحو باتجاه التصعيد في العلاقات الدولية وتأزيم المشهد على المسرح العالمي، حيث تقود في نهاية المطاف إلى إعادة هيكلة علاقة أميركا مع العالم الحليف منه والخصم.. الصديق والعدو، على أسس تحافظ من خلالها على الهيمنة، وتتمكن من توظيف فائض القوة على نحو يعيد حالة الاستلاب والاستفراد بموازين القوة التي تريدها أن تكون في كفة هيمنتها بشكل كلي. مفاتيح الدور الأميركي بنسخته الجديدة ترتكز على إعادة توصيف العلاقة على أساس فتح السقف باتجاه سباق التسلح، الذي يراهن الأميركي من خلاله على تطويع العالم، وإن تجربة الثمانينات لا تزال تدغدغ عقله، حيث يعيد التعويل عليها نظراً لتكلفتها الباهظة، التي يمكن أن تُجيَّر بطريقته من أجل دفع الثمن سياسياً، أو في الحد الأدنى تحسين اشتراطات الأميركي وشروطه، وربما إملاءاته التي يريد من خلالها أن يعيد تطويع العالم. الهوس الأميركي بالهيمنة يعيد العالم إلى أتون سباق محموم سبق للعالم أن خاض تجربته المريرة، ودفع أثماناً باهظة كان يمكن لها أن تكون عوناً له في مواجهة المعضلات التي يعانيها عالم اليوم من فقر وجوع ومشكلات مزمنة أخرى، وفتح الباب على مصراعيه يعني ببساطة شديدة تحوُّل العالم إلى حلبة للمواجهة المحتدمة ستكون لها تكاليفها التي تفوق قدرة البشرية على تحمّلها. الرهان الأميركي الصادم لم يعد مجرد احتمال، أو هو استنتاج من جملة الممارسات التي تقود إلى هذه المحصلة، بل واقع يتحكم بكل مفاصل القرار الأميركي ومراكز النفوذ، وصولاً إلى الاحتكارات وقواها العميقة داخل المنظومة الأميركية، وعلى العالم أن يتحضّر لمرحلة يكون فيها سباق التسلح وشبح العودة إلى الحرب الباردة سياقاً طبيعياً للممارسة الأميركية. الهوس الأميركي بالأحادية التي تضع أوزارها، وما تجاهر به إدارة ترامب من تغول في استخدام فائض القوة لن يعيد أحادية تتجه نحو الأفول، فالقوى العالمية وتوازعها لم يعد ذاته الذي كان قبل ثلاثة عقود ونيِّف، حين تسيّدت أميركا من دون منازع، والقوى الصاعدة أخذت علماً بالمسعى الأميركي، والأهم أنها حفظت دروس الماضي القريب، كما أدركت من قبلها مواعظ البعيد وتدرجاتها الساخنة منها a.ka667@yahoo.com ">والباردة..!! a.ka667@yahoo.com |
|