تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العــــــدو الأول... الشــريك الأول

اضاءات
الاثنين 5-8-2019
د خلف المفتاح

يصر الرئيس الأميركي في أغلب تصريحاته إضافة إلى ما يصدر عن المطبخ السياسي الأميركي سنويا من تقارير استراتيجية عن حالة الاتحاد للإشارة إلى أن جمهورية الصين الشعبية هي العدو والمنافس الأول للولايات المتحدة الأميركية تليها جمهورية روسيا الاتحادية،

والغريب في الأمر أن جمهورية الصين الشعبية هي الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى أن البنك المركزي الصيني يحوز على أكثر من تريليون وأربعمئة مليار دولار من سندات الخزينة الأميركية ما يعني أنه أشبه ما يكون ببنك اتحادي أميركي، ولعل المهم في ما نود الإشارة إليه من خلال ما سبق هو طريقة التفكير التي تدار وفقها العلاقات الدولية بين الكبار، فالخلافات السياسية والمنافسة الاقتصادية والحروب التجارية حتى والصراعات العسكرية لا تحول دون قيام علاقات متعددة الأشكال بين هذه الدول، فمساحات الخلاف توضع جانباً عند الحديث عن الاقتصاد والتجارة وغيرها من أشكال العلاقات بين الدول، وعلى المقلب الآخر وهو ما يتعلق بطبيعة وبنية إدارة العلاقات العربية العربية توافقاً أو خلافاً فنحن أمام مشهدية وأسلوب مختلف تماماً ولا يستقيم مع منطق المصالح العليا لدول وشعوب المنطقة بالرغم من المساحات المشتركة بين الأقطار العربية تاريخاً وثقافة ولغة ومصالح وطنية وقومية عليا وأمن قومي عربي وتحديات وجودية مشتركة ومع كل هذا إلا أن طريقة إدارة العلاقات والخلافات بين الدول العربية مختلفة تماماً عما تمت الإشارة إليه بحيث يتحول أي خلاف سياسي أو تباين في وجهات النظر إلى حالة عدائية بينها تبدأ بالحملات الإعلامية الشرسة معززة بسيل من الاتهامات بالخيانة والعمالة وتنتهي بقطع العلاقات الدبلوماسية والتحريض السياسي عليها بهدف استدراج عدوان عسكري خارجي ويترافق كل ذلك مع هستيريا إعلامية تستدعي كل ما هو ظلامي أو سلبي في تاريخ هذه الحكومة أو تلك معززة برزمة من وثائق الإدانة والخيانة لا يعلم مصدرها إلا الله، ولعل أكبر مثال على ذلك هو الآلية التي تم التعامل وفقها في الخلاف بين العراق والكويت مطلع تسعينيات القرن الماضي والتي انتهت باحتلال الكويت وتدمير العراق والمثال الآخر هو الخلاف السعودي القطري الإماراتي حيث تحول الشركاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربي فجأة ودون مقدمات إلى الإخوة الأعداء.‏

إن المتابع للتصريحات التي تصدر عن الخارجية الروسية يلاحظ استخدام واستعمال الساسة والدبلوماسيون الروس عبارة شركاءنا الأوربيون عند الحديث عن العلاقة مع أوروبا على الرغم من حجم التباينات السياسية بين الطرفين والمواجهات الحاصلة بينهما في أكثر من ساحة في الجغرافية العالمية ولا ننسى أيضاً أن وبالرغم من القطيعة بين أميركا وكوبا والخلاف الأيديولوجي بينهما إلا أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما زار كوبا ناهيك عن اللقاءات المتكررة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم جمهورية كورية الديمقراطية كيم أون على الرغم من حجم الخلاف الأميركي الكوري وعمقه التاريخي.‏

إن المنطق السياسي يقول إن ما يحكم العلاقات بين الدول هي المصالح بالدرجة الأولى وهذا لا يلغي إمكانية وجود القضايا المبدئية أو فكرة العداوة للمحتل والغاصب ولكن هذا شيء والخلافات العارضة شيء آخر، فمن الطبيعي أن توجد خلافات وتباينات في سياسات الدول ورؤيتها للأمور ولكن هذا لا يبرر فكرة القطيعة والعداوة وهو ما يسم سياسات أغلب الدول العربية وعلاقاتها البينية حيث يلاحظ أن منطق الشخصنة وعقلية القبيلة السياسية والأنا السياسي المتضخم وثقافة الأحقاد والثأر السياسي هي التي تحكم أغلب هذا العلاقات، وهو الذي يفسر إلى حد كبير حال الأمة وما هي عليه من مأساوية وتخبط وضياع بوصلة على المستويين القطري الوطني والقومي.‏

إن ثقافة (الزعل السياسي) مازالت تسم أكثر أساليب إدارة الخلافات السياسية وآلياتها في أقطارنا العربية المفجوعة بقياداتها المستلبة والتي تنتسب في تفكيرها السياسي إلى زمن القبيلة والعقيدة والغنيمة المنتهية صلاحيته، فعالم الكمبيوتر والديجتال وهاواوي وبيل غيتس والثورة الرقمية على قطيعة تامة مع زمن أبو زيد الهلالي وحرب البسوس، وسباق اليوم هو السباق نحو الفضاء وغزوه والتمدد في شرايين القرية الكونية والحزام والطريق وليس سباق الهجن والرقص بالسيف على الجماجم؛ لقد ابتعدنا زمنياً عن ماضينا ولكننا - ومع الأسف - لم نغادره كطريقة تفكير؟‏

khalaf.almuftah@gmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية