|
مجتمع
حرب عدوانية مدمرة على بلدنا ذهبت بطموحات وأحلام الكثيرين.. أحلام وطموحات تكاد تفصَّل علينا كما اللباس، منها الضيق ومنها الواسع، وهنا ربما ينطبق القول الشعبي (فوق الموت عصّة القبر) على الكثير من الأشخاص والعائلات ولا سيما في المدن التي تعج بالحياة كما الموت.. وقد يذهب البعض إلى القول إن تكلفة الموت صارت أكثر من تكلفة الحياة.. فهذا قبر مشتهى يبحثون عنه، لكنه بالملايين وذاك سعيد حين يعلن أنه أمن قبراً له، أو مقبرة للعائلة فيا لها من تعاسة. في جولة مستفيضة من الأحاديث حول معاناة الكثيرين في تأمين قبر بسعر مناسب لمن غادر الحياة يذكر أحد الأصدقاء الأعزاء ما جرى معه شخصياً، أن ينفذ وصية والدته حين وفاتها بأن تدفن على اسم خالتها زوجة أبيها المتوفاة منذ ثلاثين عاماً، حيث عانى أحد أقرباء الوالدة وهو الخال كثيراً في إجراءات معاملة الدفن حتى يتم فتح القبر. فيما هم (هلكوه) بعبارة لربما لها أحد الورثة، وبعد رحلة بحث مضنية استمرت أكثر من شهر تمكن من أن يحصل على القبر، واللافت أن تكلفة فتح القبر حوالي٤٥٠٠ إلى ٥٠٠٠ ل.س، ولطالما لا أحد يتقيد بالتسعيرة المطلوبة فقد تم دفع ١٥ ألف ل.س إذ مجرد ما يدخل المرء المقبرة يبدأ العزف على نوع من النصب والاحتيال (بدنا نرمم القبر، بدنا نعمل القبر، بدنا طين للقبر) ومن جملة ما ذكره الزميل العزيز أنه أثناء الدفن لا يأخذون الأجر (المصاري) بل يقولون لأصحاب المتوفى اعطِ الحفار، لأن الحفار يأخذ ما يريد ويدفع هو للدفن المبلغ المطلوب خمسة آلاف ليرة، والباقي يتقاسمونه بين بعضهم البعض. والأنكى من ذلك حين يتكاثرون على أهل الميت، وتبدأ السيمفونية مثل (أنا شاركت بالحفر وعندما يقال له إن الحفار أخذ المطلوب.. يكون رد العامل لم يعطني شيئاً!) ما تقدم مجرد مثال بسيط في سلة وجع كبيرة يترتب عليها ضرورات وواجبات من تعب ومصاريف.. وإذا ما نظرنا في المقلب الآخر إلى واقع الريف السوري بشكل عام نجد أنه أقل ضغطاً ربما من ناحية أعباء تأمين القبور والتعاضد الاجتماعي حيث يشارك الجميع بتقديم المساعدة لأهل المتوفى. - وإذا ما أخذنا المبرّات مثالاً ندرك نخوة هؤلاء وهم يقومون بكل واجب طوعاً وبالمجان، فلا صالات تحجز ولا أموال تدفع، الكل مندفع ومؤازر فيما يسميه واجب.. نعرف الكثير من هؤلاء وعلى امتداد ريفنا وقرانا حيث الشهداء بالعشرات بالمئات ولا يكاد يخلو عزاء هنا ليبدأ هناك، وما يعزي النفس كما قلنا هو هذه الحميمية التي تجمع قلوب الناس على المحبة والتآخي والمواساة.. محمد، أحمد، عمار، مروان، خالد، عزام، جورج. شباب نعرفهم عن قرب لا يهدؤون كما زملاء ورفاق وأصدقاء آخرون في قرى وأحياء عديدة من ريفنا الواسع بكل اتجاهات الجغرافيا.. ففي كل مناسبة عزاء أو أي واجب اجتماعي يتقدم هؤلاء الشباب بوجوه طيبة كأنهم من عائلة واحدة. صالات مجانية فالأمور بالقرى والريف السوري من أقصاه إلى أقصاه بعيداً عن ظروف الحرب ربما ميسرة إلى حد كبير كما قلنا من ناحية الأعباء التي تفرضها أجواء الفراق الحزينة، على عكس ما يجري في المدن السورية ولا سيما المزدحمة منها وتخفيفاً عن كاهل الناس ومعاناتها المزرية ولا سيما في هذه الظروف.. يقترح أن يكون هناك فريق عمل تطوعي في المدن من أجل تخفيف نفقات دفن الموتى.. مع وجود صالات مجانية أو بأجور رمزية على الأقل لتقديم ضيافة القهوة.. حتى سيارات الإسعاف لا ضير من أن تكون مجانية، وأن يتم تجهيز مقابر بعيدة قليلاً عن مركز المدينة مسألة فيها وجهة نظر وتخدم محتاجيها للتخفيف ما أمكن من الأعباء المادية. لذلك نكرر السؤال بعبارة لماذا، ونضعه برسم الجهات المعنية.. من فرق عمل تطوعية، وجمعيات أهلية، بلديات محافظة.. وغيرها. غ . س |
|