|
شؤون سياسية بمنزلة الاختبارحول توجه هذا البلد الإفريقي الذي يعد 19 مليون نسمة، نحو الديمقراطية. وينص الدستور المعدل في العام 2010 على أن يصبح رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية رئيساً للجمهورية بصورة تلقائية لمدة خمسة أعوام. وحسب النتائج المعلنة، فقد حصلت الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، وهو الحزب الحاكم في البلاد منذ العام 1975 على نسبة 77،5في المئة من الأصوات، وجاء حزب الاتحاد لاستقلال أنغولا التام (يونيتا) في المرتبة الثانية بعد أن حصد 17،8 في المئة من الأصوات، بينما حصل حزب «كاسا» الصغير الذي أنشئ في آذار 2012على نسبة 4،7 في المئة من الأصوات.وعلى أثر إعلان نتائج هذه الانتخابات التشريعية، تمت إعادة انتخاب الرئيس خوسيه إدواردو دو سانتوس رئيساً للجمهورية، باعتبار حزبه- الحركة الشعبية لتحرير أنغولا- هو الفائز الأكبر في الانتخابات العامة لعام 2012. لقد أصبحت أنغولا بفضل الريع النفطي،ثالث اقتصاد في إفريقيا وجنوب الصحراء خلف نيجيريا وإفريقيا الجنوبية، حيث يرأسها منذ 33 عاماً، الرئيس المنتخب حديثاً خوسيه إدواردو دو سانتوس،و حزب مهيمن هو الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، التي قادت النضال الوطني التحرري ضد الاستعمار البرتغالي. وعلى الرغم من أن هناك نخبة من الطبقة المتوسطة أصبحت ثرية بلاحدود بفضل الريع النفطي، فإن الشعب الأنغولي ما انفك يطالب بمزيد من الحرية، والعدالة الاجتماعية. خاضت أنغولا حرب تحرير وطنية ضد الاستعمار البرتغالي منذ العام 1961، واستمرت حتى سنة 1975، تاريخ رحيل ذلك المستعمر، ودخول البلاد في حرب أهلية طاحنة بين حركة التحرير الشعبية لأنغولا المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي وكوبا من جهة، ومنظمة يونيتا المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية وجنوب إفريقيا من جهة أخرى. وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي، وانقلاب تحالفات أنغولا الإقليمية والدولية باتجاه الغرب منذ نهاية الحرب الباردة، فإن المدافع لم تسكت إلا بعد مقتل الزعيم التاريخي لحركة يونيتا جوزيف سافمبي في سنة 2002. و في المجموع عرف الشعب الأنغولي أربعة عقود من العنف والدمار. وتعتبر ذاكرة سنوات الرعب هذه المسجل القوي للحياة السياسية الوطنية، واسْتُخْدِمَتْ فزاعة لكل إرادة تريد إحداث عدم الاستقرار في البلاد، وهذا ما يفسرفي قسم منه بقاء حركة التحرير الشعبية لأنغولا في السلطة منذ العام 1975.ويرتكز هذا البقاء الطويل في السلطة إلى ثلاثة عوامل رئيسة:الوعد بالسلام لأمة دمرتها الحرب الأهلية،و استخدام الريع النفطي لشراء النخبة الصغيرة في البلاد كي تساند السلطة، واختراق ذكي للمعارضة السياسية والتلاعب بها. على الصعيد النظري، تعتبر أنغولا دولة ديمقراطية، إذ ينص دستورها على التعددية السياسية، والفصل بين السلطات،و احترام الحقوق الأساسية للمواطن، لكن في التطبيق، تعيش البلاد في ظل سيطرة الحزب- الدولة،إذ حصلت حركة التحرير الشعبية لتحرير أنغولا بنحو 82% من الأصوات في عام 2008، بينما حصلت حركة يونيتا- حزب المعارضة الرئيس- على نسبة 10% من الأصوات.و تبدو سلطات البرلمان ضعيفة جدا، بالقياس إلى السلطات الموازنة الأخرى.فالمركز الرئيس للقرارات السياسية والاقتصادية تنحصر في الرئاسة، التي يقودها خوسيه إدواردو دو سانتوس (70سنة)منذ العام 1979، الذي يملك الرقم القياسي للبقاء في السلطة في القارة الإفريقية. وقد ألغى الدستور الجديد المقرر في سنة 2010، الانتخابات الرئاسية، إذ من الآن فصاعدا، يصبح رأس القائمة للحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الرئيس للجمهورية. بعد نصف قرن من العنف، تحاول أنغولا أن تعود إلى الحالة الطبيعية في الوقت الحاضر. ويعول البلد على ثرواته الطبيعية بدءاً من النفط (80% من العائدات من العملة الصعبة) إضافة إلى الألماس، ومناجم الحديد والنحاس، ومناجم أخرى لم يتم استغلالها إلى حد الآن، جراء الحرب.و فيما يتعلق بالنفط، فإن أنغولا التي تنتج 1،7 مليون برميل يوميا في سنة 2011، أصبحت المنتج الثاني للنفط الخام في القارة الإفريقية. والحال هذه، باتت الشركات المتعددة الجنسيات حاضرة في القطاع النفطي، من شركة إيكسون موبيل الأميركية إلى شركة بيتروباس البرازيلية.و تتوقع أنغولا أن يتضاعف حجم إنتاجها من النفط ليصل إلى 3،2ملايين برميل يوميا، لكي تتجاوز بذلك العملاق النفطي الآخر نيجيريا. السؤال الذي يطرحه الخبراء، هل ستجعل الأمول المتدفقة من أنجولا «كويت إفريقية» المعضدة بثواتها المنجمية وبخصوبة أراضيها، بينما لا يتجاوز عدد سكانها 19مليون نسمة؟ هناك بعض التجليات تسمح بتحقيق هذا الحلم، فخلال السنوات الماضية، عاد السلم الأهلي بسرعة كبيرة، بعدما تحولت حركة يونيتا المتمردة في وجه السلطة المركزية إلى حزب سياسي، وشاركت في حكومة الوحدة الوطنية. أما المناطق التي دمرتها الحرب الأهلية، والمغروسة بالألغام، فهي تشهد عودة ما يقارب 8،3ملايين من اللاجئين إلى ديارهم، وإن كانت هذه العودة تواجه صعوبات. وترجم السلم الأهلي بتوزيع «منح الحرب» إلى المسؤولين الرئيسيين في القوات المسلحة الأنغولية المنتصرة، في قالب مساحات أراضي شاسعة، التي كان يستغلها المستعمرون البرتغاليون سابقا. كما أن الطبقة السياسية المتحدرة من الحزب الحاكم(حركة التحرير الشعبية لتحرير أنغولا) والملتفة حول الرئيس إدواردو دو سانتوس تعيش من الآن فصاعدا «أوفشور» في بلادها بالذات، في مناطق سكنية راقية مُسَيجة بالأسلاك الشائكة، في إطار من الاستقلال الذاتي، وتتمتع بمولدات كهربائية، وخزانات مياه صالحة للشرب، بعيدا عن التعفن الذي تعيشه العاصمة المتعودة على الشحة في بلد يموت فيه اكثر من ربع اطفاله قبل سن الخامسة. بالنسبة للمستثمرين الأجانب الكبار، لا يوجد إطار مرض للاستثمار في الوقت الحاضر، فالبلد تنقصه الخرائط الجيولوجية الضرورية لمنع رخص التنقيب عن المواد الأولية.ومع ذلك، فقد حولت الثروات المعدنية أنغولا إلى مستثمر عالمي.ففي نيسان الماضي، قدرت عائدات البلد من مبيعات النفط وغيره من المواد الأولية بنحو 26 مليار دولار.و من مفارقات التاريخ،أن رئيس الحكومة البرتغالية بيدرو باسوس كويلهو،قام بزيارة إلى الرئيس الأنغولي إدواردو دو سانتوس في نهاية سنة 2011لكي يطلب مساعدة مالية من المُسْتَعْمَرَةِ السابقة.و فضلا عن ذلك، فإن العديد من البرتغاليين قرروا الهجرة إلى أنغولا بحثاً عن فرص للعمل. ولكن العمود لهذا الاقتصاد هو عَقِبُ أَخِيلٍ، أي نقطة ضعفه أيضا،فالنفط يمثل 50% من الناتج الوطني الخام، وثلثي عائدات الدولة، وأكثر من 90% من عائداتها من الصادرات، الأمر الذي يجعل الاقتصاد خاضعاً لتقلبات الأسعار في السوق العالمية. فمعدل النمو الوسطي في انغولا الذي كان بنحو 12،5% سنويا منذ سنة 2003، انخفض إلى نحو 3،4% في سنة 2010بسبب تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية لسنة 2009، وسيصل إلى نحو 10،8% في سنة 2012 حسب تقرير صندوق النقد الدولي. وهناك نقطة ضعف أخرى للاقتصاد الأنغولي، وتتمثل في الفساد المستشري في البلاد، إذ تحتل أنغولا المرتبة 172 على صعيد البلدان الأكثر فساداً في العالم من أصل 183 بلدا، وهذا الفساد المستشري لا يشجع حركة الاستثمار، مثلما هو الحال في أفغانستان والعراق.و هذه الظاهرة تعمقت أكثر، إذ إن الشركات التي تذكر أن الفساد يعد عقبة حقيقية في حركة الاستثمار انتقلت من 12% في سنة 2006 إلى 30% في سنة 2010. كاتب تونسي |
|