تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكايتنا تشبه شجرة زيتون ترفض التخلّي عن خضرتها

شباب
الإثنين 29-9-2014
غـانـم مـحـمـد

لا تنفصل قضايا شبابنا عن قضايا محيطهم فهم بالنهاية مواطنون يوجعهم وجع وطنهم ويعانون معاناة أهلهم وذويهم وفي النهاية نُجبَل ككل حكاية واحدة منسجمة اسمها سورية، هذه الحكاية التي زعزعت عروشاً وأطاحت بجحافل لم ولن تتبدل فماذا نقرأ فيها؟ نُقلّب الحكاية،

نبحث في تفاصيلها عمّا تغيّر فيها، نعيد مقارنتها مع الحكايات الأخرى فلا نجد ما يشبهها أو يحاكيها، إنها حكايتنا نحن السوريين الذين رفضنا أن نكون إلا أعزاء وسادةً في زمن تحاول فيه قوى الشرّ والتكفير أن تجرّد الإنسان من أي قيمة نبيلة.. حكايتنا تشبه شجرة زيتون ترفض التخلّي عن خضرتها أو سنديانة لا تموت إلا وهي واقفة، أو ياسمينة لا تستطيع أي قوة في العالم أن تجرّدها من عطرها فهلا عرف الآخرون لماذا نتمسّك بهذه الحكاية ولا نرضى عنها بديلاً؟ أما رأى الآخرون كيف ينتفض الجرح على وجعه في عين شاب ترك كل مفاتن الدنيا وبهجتها وعانق بندقيته راكباً إلى الشهادة عزيمةً لا تلين وراغباً بالحياة من أجل أن يبقى مدافعاً عن بلده ولا شيء سوى ذلك... أما رأى الآخرون كيف أن كلّ جبهة سمراء من جباه الشباب السوري تزيّنت بوشم سوري خطّته الملائكة بأحرف النور والإيمان.. هذا في العناوين العريضة، وتحت هذه العناوين تنبتُ أحياناً بعض المواجع التي لا نستطيع الهروب من ألمها فتلدغنا كأفعى وتلسعنا كعقرب فإلى متى تتمسّك أرواحنا بمقاومتها والسؤال هنا سؤال الواثق لا سؤال المشكك ولكن ليسمع من به صمم؟ إذا كان كيلو الزيتون الأخضر بمئتي ليرة سورية فكيف لأسرة تعتمد على راتب رجلها فقط أن تجهّز الحدّ الأدنى من مؤونة الزيتون التي اعتادت تجهيزها، يأتيك الجواب: هناك ما هو ألذّ من الزيتون، نعم إنها الكرامة ولا شيء بعدها؟ وإذا كانت طلقة من بندقية كافرة هي ثمن حياة طفل بريء فما أرخص حياة الناس لديهم مقارنةً مع الزيتون ولا ننسى أن هذا الطفل ارتقى للعلياء باسماً ما أذلّ الإرهابيين حتى بموته! نفهم كيف يتسع قلبنا لكل هذا الحبّ للحياة ولضحكات الصغار والكبار فيها وللشوق لذكريات تتلظّى تحت الأطمار وننتظر من الآخرين أن يفهمونا كيف تتسع قلوبهم لكل هذا الحقد على الحياة ولن يستطيعوا فعل ذلك لأنهم أنفسهم لا يعلمون؟ ننتظر أولادنا على شرفات المنازل وهم عائدون من مدارسهم، تضحك فينا الطفولة من جديد، غزل لم تغيّر عادتها تشتري بـ»خرجيتها» بسكوتاً لا تأكله في الروضة بل تحمله معها إلى البيت كي «تغيظ» أختها الأصغر، وتبكي فينا الطفولة أيضاً، أبو أحمد يضطر لإغلاق محله عند الواحدة ظهراً لينتظر ابنته على باب المدرسة فالشارع لم يعد أماناً ولكنه سيعود بإذن الله.. لماذا هذا التداخل و»الخلط» بين الأشياء بهذه الطريقة الساذجة؟ هذا السؤال قد يوجهه لنا أي قارئ لهذه السطور أما الجواب الذي نقنع به أنفسنا فهو أننا نظرنا حولنا فلم نجد أي تناسق، فإن سألتَ سائق الميكروباص لماذا لا يتحرك وقد امتلأت مقاعده فيقول لك»إذا موعاجبك انزل» وهل تريدني أن أمضي بـ12 راكباً وسعر غالون المازوت ثلاثة آلاف ليرة؟ وإذا رجوتَ عامل النظافة ألا يترك القمامة المتناثرة حول الحاوية أو برميل القمامة فيقول لك « ما عم اشتغل عند اللي خلفوك» فتضطر للاعتذار منه حتى لا يعاقب الحارة التي تسكنها بسببك، لا مشكلة تستطيع مجموعة متفهمة من الشباب والمتحمّسين أن تقوم بدور عمال النظافة إن وصلت الأمور إلى حدّها كما يقال! نحاول قدر الإمكان أن نقنع الآخرين بضرورة التأقلم مع انقطاع الغاز أو الكهرباء ونحار ونحن نستنهض هذه الأفكار في بعض الأحيان أين سنغلي فنجان قهوة نعدل به رؤوسنا، وهنا نقول لأنفسنا: صبراً على قضاء الدهر .. هي حكايات سنكرر سردها للصغار عندما يكبرون إن أعطانا الله عمراً وسنفتخر بأننا تحمّلناها وصبرنا عليها بينما تتصاعد في الحلوق مرارتها ولو على جناح هذه الذكرى! نسينا أن نسألكَ أنتَ أيضاً: هل تدبرتَ أموركَ بالنسبة للزيت والزيتون، أتمنى أن يكون الجواب نعم وألا يصرخ جيبكَ كثيراً وأن يكون قادراً على التحمّل حتى منتصف الشهر على الأقلّ، أما بقية التفاصيل فكلها رهن القدر المكتوب لنا.. ربما هذا يشغل بالنا بعض الشيء ولوقت محدود في حياتنا ولكن بين هذه التفاصيل لا يمكننا تجاهل ما يفكّر به أبناؤنا، هؤلاء الأبناء الذين يتقلّبون بين واقع ليس كما انتظروه وبين أمل يخفق تارة وينوس تارة لكنه لا يموت أبداً، وإذ نسألهم همومهم فيختصرون كل قول بجرح الوطن ويربطون كل فرج بشفاء هذا الجرح وهذا الشفاء قريب جداً إن شاء الله.. للأمانة فقط، فإن جلّ ما تقدّم هو كلام لمجموعة من الشباب حشرتُ نفسي بينهم واقتصر دوري في ترتيب الأفكار فقط في السطور السابقة، والخلاصة التي أردناها هي عرض ما يفكّر به شبابنا بصوت عال لنثبت للدنيا أن لا خوف على مستقبل سورية على الإطلاق و»النقّ» الذي يحضر بين الحين والآخر ما هو إلا نتيجة طبيعية لقسوة الحياة وضغطها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية