تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الغرب المتعامي .. والعالم المبصر

دراسات
الاثنين 29-9-2014
فؤاد الوادي

تواصل الولايات المتحدة الأميركية ومعها حلفاؤها وأدواتها فيما تدعي أنها حرب على الإرهاب، وسط تزاحم كبير من التصريحات والتحليلات والمواقف وردود الفعل التي تتكاثر وتتوالد مع كل تطور جديد، والتي تلتقي تارة عند الرفض المطلق لتلك (الحرب )،

والتي تلتقي تارة أخرى عند التشكيك بجدوى و أهداف وغايات تلك الحرب التي وصفتها صحيفة الغارديان البريطانية بالغامضة كونها خطوة نحو المجهول ، فيما وصفتها الاندبندنت بالمحزنة لاستحالة تحقيق أهدافها المعلنة ولتعاطي المجتمع الدولي الخاطئ مع قضايا المنطقة ، لتتقاطع مع نيويوك تايمز التي قالت إن قرار الحرب على سورية سيئ في ظل عدم توافق دولي وموافقة الدول التي تنفذ على أراضيها .‏

غير أن اللافت والغريب في هذه الحرب المصطنعة هو في انكشاف عوراتها وظهور مبرراتها وذرائعها مع الإعلان عن التخطيط لما عرف بـ (استراتيجية أوباما لمحاربة الإرهاب)، مرد هذا السقوط يعود إلى سلسلة من التناقضات الكبيرة والصارخة التي رسمت مسار التحضير والتخطيط لتلك الحرب والتي تبلورت على شكل فوضى عارمة طبعت سلوك ومواقف الإدارة الأميركية و حلفائها و أدواتها الذين اغرقوا في ذلك السيل العارم من التناقضات الصارخة قبل أن تنتشلهم الولايات المتحدة مجددا ببعض من تلك الأحلام الوردية والوعود الكاذبة التي لطالما أغرتهم وخدرتهم بها عن تسيدهم المنطقة بعد القضاء على الدولة السورية وإضعاف الدول الرافضة للسياسة والهيمنة الأميركية ، دون أن ننفي تلك الفرضية القائلة بأن تلك الفوضى العارمة في التصريحات والمواقف المتباينة تارة والمتناقضة تارة أخرى ربما تكون في بعض جوانبها مقصودة من قبل الولايات المتحدة والغرب خلال الفترة الماضية لهدفين أساسيين، الأول التغطية ولفت الانتباه عن جملة الهزائم التي لحقت بأطراف المؤامرة على الساحة السورية والتي أوصلتهم إلى حالة من العجز المطلق الذي دفعهم بدوره إلى الانتقال إلى مرحلة جدية من التدخل المباشر على الأرض وهو عرف فيما بعد بـ (الحرب على داعش ) ، أما الهدف الثاني: فهو تشتيت الرأي العام الغربي والعالمي عما يدار ويدبر خلف الكواليس التي بدأت تفضح ما وراءها شيئا فشيئا بدءا من محاولات الولايات المتحدة البحث عن ذرائع للتدخل في المنطقة وتغيير مسار الأحداث وخاصة في سورية - ذرائع استخدام الكيماوي والتي سقطت في مهدها بعد افتضاح مستخدميها ، وثم ذرائع ذبح الصحفيين الأميركي والبريطاني والفرنسي لاحقا والتي تحمل إشارات استفهام كثيرة والتي وصفتها إحدى وسائل الإعلام الغربية بالتمثيلية التي كتبتها واعدتها وأخرجتها وصورتها المخابرات الأميركية، وصولا إلى ذريعة اختلاق تنظيم إرهابي بين ليلة وضحاها (داعش ) مجهز بأحدث وافتك الأسلحة الغربية !؟ ، استطاع خلال 48 ساعة غزو العراق واحتلال نصفه!؟ ، واستطاع خلال أيام قليلة إقناع الغرب الذي كذب الكذبة وصدقها بأنه قادم لغزوه دون أن ننسى أن الماكينة الإعلامية الغربية بحرفيتها وأدائها المعهود في تعويم ما تطلبه حكوماتها ودوائر مخابراتها هي من أعلنت ولادة هذا الوحش وهي من رعته وسوقت له وكبرته حتى غدا كالشبح الذي يرهب العالم أينما كان ، نستذكر التصريح الخيالي والسريالي لديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي قال فيه إن تنظيم داعش بات يطارد البريطانيين في الشوارع.‏

قد نتفق مع الاندبندنت بأن تلك الحرب المصطنعة محزنة للغاية لنفس الأسباب الذي ذكرتها الاندبندنت وقد نتفق أيضا مع النيويورك تايمز التي قالت إنها حرب سيئة لنفس الأسباب التي ذكرتها الصحيفة أيضا ، لكن بكل تأكيد سنختلف مع الغارديان التي وصفتها بأنها غامضة الأهداف والغايات التي باتت واضحة وساطعة بشكل صارخ جدا ، ذلك إن صيرورة الأحداث في المنطقة ومنذ بدء أحداث (الحريق العربي) الذي أشعلت شرارته الولايات المتحدة الأميركية ترسم وتوضح نيات وغايات الأخيرة التي تحاول إعادة رسم شرق أوسط جديد سمته الأساسية الفوضى والتقسيم والحروب الأهلية والخنوع والتبعية المطلقة للسيد الأميركي وذلك لن يتحقق إلا بنشر وزرع بذور الإرهاب في المنطقة لتدميرها والقضاء على كل الدول الرافضة للسياسة الأميركية .‏

ربما حمى المعلومات والتسريبات والفضائح عن علاقة الغرب والولايات المتحدة بصنع وتنشئة ورعاية الإرهاب في المنطقة والعالم التي تتكشف كل لحظة بالتوازي مع حمى الغرب بإقناع العالم عن نيته محاربة الإرهاب توضح والى كبير ذلك الوعي الكبير الذي بدا يطبع شعوب العالم عن حقيقة وأهداف الولايات المتحدة الغرب الاستعماري من وراء هكذا أكاذيب ومسرحيات هدفها الأساسي والرئيس هو احتلال الدول والشعوب وسلب إرادتها وسيادتها حتى تسير وفقا للهوى والمصلحة الأميركية والغربية.‏

لكن و رغم ذلك فإن الغرب لا يزال مصرا على إغماض عينيه والتعامي عن التغيرات والتحولات التي طرأت على شعوبه وشعوب ودول العالم التي لا تزال تكتوي بنيران المخططات والمؤامرات والاستراتيجيات الخادعة التي لم تجر لشعوب العالم سوى الموت والويلات والدمار .. لكن السؤال الذي يطفو على السطح ، هو إلى متى سيستمر هذا التعامي الغربي عن الحقائق والى متى ستسمر تلك التبعية المفرطة والعمياء واللهاث خلف الأميركي، ربما قادم الأيام سيجيبنا على هذا السؤال بشكل كبير، خاصة بعد أن وصلت نار مخططات الغرب ومؤامراته واستراتيجياته العوراء والعرجاء إلى قلب القارة العجوز !؟ .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية