تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الآداب القومية هل تفقد خصوصيتها ..?

ثقافة
الأحد 21/8/2005
ديب علي حسن

منذ ان تميزالانسان بابداعه الادبي الأكثر رقيا بين الفنون كلها استطاع ان يحمل هذا اللون الابداعي لمساته الانسانية بمختلف دلالاتها الجمالية والاجتماعية, بل غدا الادب سمة تميز هذه الامة عن غيرها, ويمكن لدارسي الادب ان يحددوا ملامح اجتماعية وحضارية لكل مرحلة من مراحل نشوء هذه القومية او تلك من خلال رصد وتحليل محتوى الادب الذي انتجته ..

&&NEWS\M08\D21\11-5.jpg‏

ومن البدهي الآن ان نسأل: كيف سيكون حال الاداب القومية في ظل العولمة المتوحشة..? هل سيبقى الادب العربي على الرغم من انفتاحه, بل من انفلاشه على الآداب العالمية دون وعي هل سيبقى يحمل بذور هويته وملامح المجتمع الذي يمثله..?‏

هل سينتج اليابانيون ادبا مختلفا..? وماذا عن الادب الصيني او الروسي او الاوروبي ..?‏

العولمة التي تطمح ان تجعل العالم غرفة استقبال واحدة بلغة واحدة وهدف واحد, هل هي قادرة على ان تجعل المشاعر الانسانية واحدة والخيال واحدا? بل وصنوف الابداع واحدة..? هل نحن امام فنون ادبية جديدة ستكون وليدة اجهزة التحكم..? اسئلة كثيرة اثيرت وطرحت, وبدأ الباحثون الغربيون بطرحها قبل ان يطرحها المهتمون العرب, في الولايات المتحدة التي تقود عملية عولمة او امركة العالم, بدأ باحثوها بدراسة هذه الظاهرة, ظاهرة فقدان الخصوصية الثقافية ولا سيما في مجال الموسيقى ومن خلال قنوات التواصل الاكثر تفاعلية الان في العالم, وعلى رأسها ( الانترنت).‏

وهنا نشير الى أن الاستاذ الدكتور حسام الخطيب قدم بحثا متميزا في مجلة عالم الفكر المجلد 34 العدد الاول 2005 م وتحت عنوان: العالمية والعولمة من منظور مقارني, وفي هذا البحث يتوقف عند المصطلحين ويجري مقارنة هامة بين الفوارق الاساسية بين المصطلحين.‏

-بين العالمية والعولمة...‏

العالمية : تصورات مائعة تختلط فيها العاطفة والمشاعر النبيلة مع التحليل الفعلي , ويغذيها الخيال الادبي و الفني والنبوءة الشعرية.‏

العولمة: مخططات جاهزة تتخذ شكل تحالفات عدة دول او من خلال المنظمات او التكتلات الدولية ولا سيما منظمة التجارة العالمية.‏

العالمية: العالم معرض ثقافي, ادبي فني مفتوح والبقاء للاصلح انسانيا وابداعيا تجاوز حدود الدولة والعرق ربما اللغة.‏

العولمة: العالم سوق اقتصادية مفتوحة والبقاء للاصلح, ربما من خلال المنظمات او التكتلات الدولية ولا سيما منظمة التجارة العالمية.‏

العالمية: وسيلة التنفيذ: الحوار ونشر الوعي والتبادلات الثقافية الادبية والفنية.‏

العولمة:وسيلة التنفيذ: الانفتاح الاقتصادي والمالي الفيض الحر للمعلومات والاعلام, تسويق نموذج في ثقافي مهمين من خلال امتلاك وسائط الاعلام والتكنولوجيا الراقية.‏

العالمية: من الناحية اللغوية: سيطرة اللغات الاوروبية الثلاث: الانكليزية والفرنسية والالمانية.‏

العولمة: لغويا: هيمنة شبه مطلقة في جميع المجالات للانكليزية لغة العولمة تدعمها لغة الحاسوب.‏

العالمية: حلم غيبي غير قابل للتنفيذ..‏

العولمة: معظم المفكرين واهل الادب والفن متوجسون من خطر انقسام العالم الى اقلية مهيمنة واكثرية مسحوقة تزيدها العولمة فقرا وذلا يلاحظ المتابع لهذه المقارنة ان العولمة تركز على الجانب المادي الذي يفرض سيطرة قيم رأسمال لا يرحم, ولا يعرف وجها انسانيا ابدا وحتى الابداع يجب ان يكون خاضعا وموجها لخدمة الاقلية المسيطرة بينما تبدو العالمية اقرب الى الرومانسية, فيها نزعة انسانية ولكنها ليست نزعة انسانية صافية على الاطلاق انها هيمنة مشتركة لثلاث لغات عالمية,بينما العولمة هيمنة للغة واحدة هي اللغة الانكليزية.‏

وعلى الرغم من ان فكرة العالمية قديما نسبيا فان د. الخطيب يشير الى ولادتها والادب المقارن معا, ويتوقف عند الشاعر الالماني ( غوته) وبعض المفكرين الاوروبيين الذين اهتموا بالعالمية.‏

- الادب والعولمة..‏

مما لا شك فيه ان التأثير والتأثر المتبادل بين الاداب العالمية قد بدأ منذ ان تكونت وسائل التواصل البدائية وغير البدائية ويبدو ذلك جليا في الآثار الادبية منذ آلاف السنين سواء كانت اساطير او قصائد شعر او ملاحم سير شعبية او غير ذلك من الفنون, ومع ازدياد التواصل الانساني ازداد التشابه والتشابك والتفاعل والاسئلة على ذلك اكثر من ان تحصى في تاريخ الاداب العالمية.. ولكن ماذا عن الآداب في عصر العولمة..? يرى د. الخطيب انه من المنتظر مع تطورات العولمة ان ينتعش ا لانتاج الادبي, وقد اخذت الآداب القومية المضيفة تنتقل بشيء من الحماسة اسهامات المهاجرين التي تشكل جزءا من الاداب القومية, ويشير د. الخطيب الى ظاهرة الادب المهجري..‏

وخلاصة رأيه: يتبين - حسب ما يقول : ان الآداب القومية في القرن الواحد والعشرين ستكون مهجنة جدا وفوق قومية على نطاق واسع وكثير منها سيكون محلي اللسان عالمي المحتوى والتركيبة,وهنا تتداخل الآداب القومية مع فكرة العالمية.‏

-وسيبقى الادب..‏

مهما كانت قوة العولمة,ومهما بدا طغيانها المادي قادرا على فرض اساليبه فان النزعة الانسانية ستبقى في الاعماق تنمو متحدية كل ما هو زائف, وما لم تحل الآلة محل الانسان في كل شيء, فان الانسان سيبقى في مشاعره قادرا على الابداع, وهل لنا ان نتخيل الانسان القادم جالسا على الآرائك دون ان يبذل اي جهد? هل لنا ان نتخيله دون مشاعر وعواطف واخيلة.. اذا استطعنا ان نفعل ذلك ,او بالأصح اذا كان هكذا انسان المستقبل فلا شك ان الادب سيكون اثرا بعد عين, ولن يكون في الساحة اي لون من الوان الأدب, لا الأدب الذي تفرضه العولمة ولا الأدب الذي تسعى اليه العالمية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية