تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ذاكرة الجغرافيا والمأساة الدامية

قضايا الثورة
الأحد 21/8/2005
علي قاسم

الخطوط الحمر في العراق يتم تخطيها حيناً واختراقها أحياناً, وفي الحالتين ثمة خطر داهم يتجاوز كل ما هو مسموح به, وفي الحالتين أيضاً مستقبل العراق يقف على مفترق,

تتوقف على اتجاهاته معالم المنطقة, وربما الكثير من معالم المشهد الدولي.‏

وإذا كانت دعوات البعض للفيدرالية قد أثارت مظاهرات رفض في العراق, يصعب تجاهلها, فإنها في الوقت ذاته تثير الكثير من الأسئلة الملحة حول خفايا الرغبة الاميركية بعد احتلال العراق.‏

والواضح حتى اللحظة أن ثمة خطوات تجري من خلف الستارة, وإن كانت لاتخفي تحركاتها واتجاهاتها, فهي بالمحصلة ترسم مشهداً سوداوياً بدأ لحظة الاحتلال وانهيار الدولة,ولم تنتهِ فصوله بعد, بل هناك من يجزم بالفصول الأشد مأساوية في تاريخ العراق, وبالتالي المنطقة ككل.‏

فقد شهد العراق بعد الاحتلال سلسلة من الاجراءات المثيرة للجدل, بدت وكأنها لحظة لإعلان الفوضى, ونشر الرعب, ومن ثم الانهيار المتتالي في المقومات الخصوصية العراقية, وبرزت على السطح بشكل مباشر مؤشرات عديدة على النوايا الخفية التي تحكم المصير السياسي للعراق.‏

واليوم وبعد الحصيلة الاولية للانتخابات العراقية يتكرس واقعاً كان العراق قد تجاوزه منذ عقود, وينتقل ذلك الواقع من حالة الرسم الايحائي للمشهد إلى حالة القبول بالمحرمات كمسلمات قابلة للنقاش إلى أن تطور الأمر لدى البعض إلى الحديث عن مشروعية الفهم الجديد للواقع العراقي.‏

والنتيجة ذلك المسلسل الدامي من الموت المجاني, وذلك العزف المشبوه على وتر التقسيم الطائفي والعرقي وصولاً إلى منهجية في التطبيق تعكسها المصاعب التي تعترض صياغة الدستور العراقي, وتؤكدها حالة القبول بإمكانية الفرز على تلك الأسس الدخيلة على حياة العراق.‏

وبالتالي لم تكن عملية الرفض والقبول حصيلة جدل سياسي او نقاش تفاوضي يدور في مساحة المسموح والمحظور, بل هو ذلك السيناريو المدسوس لتكون النتيجة على هذه الشاكلة من الهشاشة المفخخة التي تهدد بتفجير المستقبل السياسي للعراق.‏

والسؤال المحوري لمصلحة من يجري كل ذلك, ومن المستفيد من نتاج ذلك الواقع الدموي المتفجر, وذاك الآخر المفخخ الذي ينذر بالكارثة الكبرى وبفصول ختامية من التفتيت, يتحول بعدها العراق إلى مجرد رقم في ذاكرة الجغرافيا, بالكاد يذكره التاريخ?!‏

القراءة الأولية تقود إلى استنتاجات منطقية أعلنتها دول الجوار, حين أكدت على وحدة العراق كإشارة إلى المخاوف من تعرض تلك الوحدة للتهديد, والقراءة الاولية أيضاً تشير بوضوح إلى زرع مرسوم لعملية التفخيخ داخل الوطن الواحد.‏

ربما المشهد القائم اليوم يفصح عن تلك التفاصيل بكل وضوح, ويشير بإصبع الإتهام والإدانة إلى الفاعل , وهي إصبع ويجب أن يحركها المجتمع الدولي قبل فوات الأوان, ولاسيما في هذه المرحلة الشديدة الخطورة والحساسية في الآن ذاته.‏

لذلك كانت التظاهرات حالة تعبير عن رفض لخطر داهم, لم يعد باستطاعة العراقيين تحمل تبعاته أو دفع ثمنه الباهظ, وقد دفعوا ما يكفي من حياتهم ودمائهم لذنبٍ لم يقترفوه, وبالتالي لا يحق لأحد أن يتاجر بحياة ودماء من تبقى لمصالح آنية ضيقة لفئات لاتمثل الواقع العراقي ولاتعبر عن سماته أو خصوصياته.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية