|
معاً على الطريق مثلما هو لا يختار اسمه أو والديه أو معتقده أو جنسيته ولونه وسوى ذلك. على هذا النحو ربما تكونت حدود الدول في البدء, وإن ما طرأ أو يطرأ عليها من تغيرات بفعل الاستعمار, يبقى قابلا للزوال. مع مقاربتنا لهذه المعادلة, يستطيع أحدنا القول إنه كما يجني الفرد نتيجة خيار المصادفة أحيانا, كذلك تجني الدول نتيجة تشكلها أيضا بالمصادفة. وفي سياق هذه الرؤية لواقع الدول في منطقتنا العربية على سبيل المثال, فإن سورية مهيأة دائما لمعاناة نتائج المصادفة التي جعلتها بوابة المناطق التي استهوت وتستهوي المستعمرين إلى أيامنا هذه وبلا توقف. ومن هنا أيضا, تكتسب سورية مكانتها المتقدمة بوصفها الحصن المنيع الذي قاوم ولا يزال يقاوم ذوي الطموح لكسب العالم والتحكم بمقدرات الدول, من دون حق. وبذلك بقيت سورية عصية على إرادة الخارج, تقف في مواجهة الطامعين بها أو بما هو ورائها, بعنفوان الفارس الذي يمتطي جواده فينازل أعداءه حتى النهاية ولا يتنازل. وحين تكون سورية كذلك الحصن المنيع, فذلك لأن شعبها الذي خبر المحن وتجاوز كل المنعطفات الخطرة التي فاجأته, يبقى قادرا دوما على رفد حدود الوطن بأجساد شيبه وشبابه, ولأنه قادر دوما على مزج تراب أرض الوطن بالدم, دفاعا عن التاريخ وقيمه, وفي مقدمتها إن الفرد كيان في البلد الذي ينتمي إليه, يكون قويا وراسخا بمقدار ما يكون هو قويا ومؤمنا بوطنه. لهذه الاعتبارات كلها, كلما أقبلت علينا ذكرى سنوية, بدءا بذكرى الاستقلال والتحرر وصولا إلى ذكرى تشرين التصحيح وما بين هذين الحدثين الكبيرين, تتنامى الآمال لدينا بأن شعبنا الذي هزم جحافل الغزو قبل الميلاد وبعده, يبقى حاضناً لمقومات صنع مستقبله بنفسه. إن أي حدث يحتفل وطننا بمرور ذكراه السنوية, لا بد أن يستدعي تداعياته, ونبدو جميعا حياله كمن يستعيد قراءة كتاب مضى على قراءته زمن. ومن هنا لا تفقد الذكريات على تنوعها واتساع رقعتها الزمنية, لا تفقد تأثيرها وتستمر في ايحاءاتها ليكون يوم الوطن كما ماضيه وكما يجب أن يكون في غده. على هذا النحو يقرأ أحدنا وطنه سورية, هذا الوطن الذي جعله قدره يتشكل في مواجهة الأمواج التي طالما تكسرت وستبقى تتكسر على شواطئه, وكلما اشتدت العواصف وعلت الأمواج محاولة ابتلاع ولو ذرة من ترابها ازداد صلابة في قدرته وإيمانه على المواجهة. هنا يبقى على الآخرين أن يحسنوا قراءة تاريخ سورية, بل أن يعيدوا قراءة هذا التاريخ, إن كانوا قد نسوه أو تناسوه, حتى لا يخطئوا في تقدير حساباتهم. إن قدر وطننا سورية أن يعتد بنفسه وبأبنائه, كما بماضيه كذلك في حاضره, عبورا إلى غده المرتجى على أرضية رفض الخضوع, مثلما الفارس الذي ينازل عدوا ولا يتنازل عن حق أو عن مبدأ. |
|